IMLebanon

ولكن…؟

 

يعتبر إصلاح الكهرباء في لبنان من أولى أولويات مؤتمر «سيدر» وأول الشروط التي وضعها للدولة اللبنانية للايفاء بتعهدته المالية للنهوض بلبنان والحؤول دون انهيار الدولة، غير ان بعض الثغرات التي تضمنتها خطة الإصلاح الموضوعة، والتي يشتم منها رائحة الصفقات بإسم الإصلاح، دفعت بفريق من اللبنانيين إلى الوقوف سداً منيعاً في وجه تلك الخطة، مما أدى إلى تأخير اقرارها أو إلى إحباطها، لكنه أدى في نفس الوقت إلى «تشويه» صورة الدولة عند الدول المانحة، وهددت بعض الدول ومنها فرنسا الراعية لمؤتمر «سيدر» بوقف كل المنحة التي قدمتها الدول التي شاركت في المؤتمر لمنع سقوط الدولة اللبنانية، ما أدى إلى حالة ذعر عند رئيس الحكومة سعد الحريري الذي تعهد أمام مؤتمر «سيدر» بإستجابة الدولة اللبنانية لشروطه والمبادرة فوراً إلى إصلاح الوضع الناشب عن أزمة اكهرباء بإتخاذ إجراءات إصلاحية سريعة لوقف النزف المالي الناشب عن هذه الأزمة والذي رفع عجز الخزينة إلى نسب وضعت الدولة على حافة الإفلاس، وحتى لا تضيع منه الفرصة قدم الحريري الكثير من التنازلات وابتعد عن المهاترات والمناكفات السياسية ولا سيما في موضوع إدارة ملف النازحين السوريين ومحاولة رئيس الجمهورية وصهره وزير الخارجية التفرد بمعالجة هذا الملف من ضمن خطة خبيثة تهدف إلى التطبيع مع سوريا، متخطين بذلك سياسة النأي بالنفس التي اعتمدتها حكومة العهد الأولى تجنباً منها لتفجير الصراع الداخلي على مستوى كل الوطن لأن الوطن سيكون هو الخاسر الأكبر من هذا الصراع، ومن الغريب ان سياسة المهادنة هذه التي اتبعها رئيس الحكومة نجحت أخيراً في التوصّل إلى إقرار خطة إصلاح الكهرباء التي وضعتها وزيرة التيار الوطني الحر على طريقة تدوير الزوايا والتمسك بالشفافية إن لجهة التلزيم وإن بالنسبة إلى إدارة هذا الملف، وبذلك يكون الرئيس الحريري قد حقق بالفعل معجزة لأن الجميع كان يراهن على استحالة التوصّل إلى اتفاق داخل مجلس الوزراء على خطة إصلاحية شفافة نظراً لتمسك التيار الوطني الحر وبمن يمثل بخياراته هو التي تفوح منها رائحة الصفقات المشبوهة على حساب المصلحة الوطنية العامة، ولغايات مرتبطة بالاستحقاقات الداخلية الكبرى، لكن الأجواء المحيطة به لا تشجّع على التفاؤل بإمكانية نقل الدولة من مرحلة الفوضى والخلافات والاختلافات وتراشق التهم بالفساد والافساد وبعد ظهور مؤشرات جديدة على الساحة الداخلية على هامش الاتفاق على إقرار خطة إصلاح الكهرباء، وتتعلق بالحملة المستجدة على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وعبره على المصارف اللبنانية من دون ان تمت هذه الحملة إلى مضمونها وإلى الحقيقة بأي صلة، ما عدا انها «دفرسوار» يستخدمه السياسيون للتغطية على الأزمات التي افتعلوها بهدف الضغط على القطاع المصرفي واستنزافه لتحقيق خدمات ومقاصد انتخابية أو لأهداف أخرى لها علاقة بالانتخابات الرئاسية التي أصبح ملفها مفتوحاً، أو محاولة إخضاع السلطة المالية للامساك بناصيتها بشكل محكم لوضعها في خدمة الأهداف المرسومة.

وفي مطلق الأحوال فإن نجاح مجلس الوزراء في تجاوز أزمة الكهرباء يشكل خطوة على الطريق السليم، لكن ذلك لا يعني ان البلاد تجاوزت كل المشاكل الداخلية، وصارت مهيأة للدخول في مرحلة الاستقرار وإعادة النهوض.