IMLebanon

«الصف الثالث» في «قمة القاهرة للسلام» عزّز «الشرخ العربي ـ الغربي»!

 

 

عبرت «قمة القاهرة للسلام» كما اختار الرئيس المصري لها عنواناً من دون ان تترك اي أثر او تحوّل في المشهد الغزّاوي والمنطقة، لا بل سارعت في إظهار الشرخ بين العالمين العربي والغربي. وإن اعتبر انّ ما سُخِّر لها من جهود فإنها لم تقدم سوى الصورة التذكارية لمسؤولين من «الصف الثالث»، وكان يمكن صرفها في مكان أكثر جدوى. فمجموعة الأخطاء التي ارتكبت أنبَأت بخسارة المواجهة قبل أن تبدأ. وعليه، ما الذي يبرّر هذا المشهد؟

إستعجل الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، في خطوة بروتوكولية، الإتصال برئيس الحكومة نجيب ميقاتي لوضعه في نتائج القمة التي استضافتها العاصمة الإدارية الجديدة في مصر في اليوم التالي لانعقادها بهدف اطلاعه على أبرز المحاور التي تناولتها المحادثات، وذلك في خطوة عُدّت بأنها غير ذي جدوى قياساً على قرار القيادة المصرية بتغييب لبنان عن أعمالها والحؤول دون اعتلائه منبرها لشرح ما يعانيه، وما يمكن ان تؤدي اليه التطورات الاخيرة من انهيارات اضافية تعب البلد الصغير من تداعيات ما هو أصغر منها بكثير، ولم يعد قادرا على تحمّل تبعات ما جرى وما هو متوقع إن توسّعت المواجهة لتشمل المنطقة بكاملها.

وبعد ان أقفل ابو الغيط هاتفه بوقت قصير تلقّى ميقاتي اتصالاً آخر من وزير الخارجية المصري سامح شكري، حيث تم التركيز على بعض النقاط التفصيلية كما اراد ميقاتي مستفسراً عن بعض المواقف الغربية وطريقة تفسيرها وما يمكن ان تؤدي اليه على طريق المعالجة. كذلك سأل عن الخطوات الديبلوماسية التي تنوي مصر القيام بها بعد القمة وآفاق المرحلة المقبلة.

وبمعزل عن هذه التطورات التي لن تغير شيئا مهما بالنسبة الى ما يجري على الأرض وفي الكواليس الديبلوماسية، فقد تابع لبنان وقائع القمة وما سبقها وتلاها من مواقف في إطار موازين القوى على اكثر من مستوى، وقد تحدثت وقائع الجلسة الافتتاحية من القمة عمّا كان متوقعا وما كان مأمولا منها في شكلها ومضمونها والنتائج المترتبة عليها، وبَدا واضحاً انها لم ولن تأتي بما قصده الجانب المصري منها، فالنيات لا تكفي خصوصاً ان بعض المواقف التي اطلقت فيها لا تبشّر بإمكان ان يحقّق الجانب العربي عموما والمصري خصوصا أي إنجاز ايجابي حتى على المستوى الإنساني للتخفيف من الضغوط التي يتعرض لها القطاع وما يتركّب من فظائع بحق شعبه الأعزل.

وعند البحث في بعض الجوانب المتصلة بالقمة، فإنها عبّرت في مستوى المشاركة فيها عمّا يمكن ان تنتهي اليه، فما كان مأمولاً من حضور دولي لم يتحقق، فقد كانت الآمال المصرية كما أوحَت بها الدوائر الرسمية قبل أيام، معقودة على مشاركة اميركية وفرنسية على اعلى مستوى، فلا الرئيس الاميركي جو بايدن حضر بعد ان أُلغيت زيارته التي كانت مقررة الى الأردن للمشاركة في قمة رباعية صُرِفَ النظر عنها قبل ساعات من موعدها المبدئي، وهي القمة التي كانت ستجمعه بالعاهل الأردني ورئيسَي مصر والسلطة الفلسطينية قبل ان يتوجه الى تل ابيب التي قصدها مباشرة حاملاً كل أشكال الدعم بلا تردد واستبدل موعدها بالحضور الشخصي الى تل ابيب، وبدلاً من ان يكون تمثيله رفيعاً قصدت ادارته ان يكون التمثيل متدنياً على مستوى السفير ديفيد ساترفيلد المكلّف ملف الإغاثة في غزة. ولا الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون قصد القاهرة للمشاركة في القمة قبل ان يزور اليوم تل ابيب مُقدّماً الدعم المطلوب للحكومة الاسرائيلية بمعزل عما ترتكبه به من مجازر، وكلّف وزيرة خارجيته كاترين كولونا تَرؤس وفد بلادها. وقد تساوى التمثيل الاميركي والفرنسي مع الروسي فتمثّلت موسكو برئيس دائرة الشرق الاوسط ميخائيل بوغدانوف الذي يُعدّ من الصف الثالث او الرابع من المسؤولين الروس. وانسحب الأمر عينه على مجموعة الدول الاوروبية والافريقية الاخرى التي جاء تمثيلها محصوراً بمستوى الصف الثاني او الثالث وتمثّلَ بعضها برؤساء حكومات او وزراء الخارجية.

وفيما حضر العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، انحسَر التمثيل الخليجي على مستوى وزراء الخارجية ونوابهم ولم يحضر من دول مجلس التعاون سوى ملك البحرين بعد مغادرة أمير قطر مصر قبَيل البدء بأعمال القمة ولم تكن له اي كلمة. ولولا تدارك الأمر بالدعوة التي وجّهت الى الرئيس الفلسطيني محمود عباس في ربع الساعة الاخيرة التي سبقت انعقادها لغابَ صاحب القضية المطروحة في القمة، ولم يحضر الّا بعد مسلسل الضغوط التي مارسها على اكثر من مستوى. فقد كان رئيس السلطة الفلسطينية مُغيّباً ومعه من يمثل بيروت ودمشق على لائحة المستبعدين في مقابل عدم توجيه الدعوة لتل أبيب وطهران للمشاركة في القمة. فباتت العواصم الأربعة على لائحة مصرية واحدة بقرارٍ رئاسي مصري إن لم تشارك دول أخرى في اتخاذ هذا القرار، عندما تحاشت التدخل لتصحيح الأخطاء المرتكبة باستثناء الجهود التي بُذلت لسحب رام الله عن لائحة المستبعدين.

وعليه، ولمّا فشلت القمة في تقريب المنطقة من عنوانها «السلمي» على الأقل، وعدم النجاح في إقناع الجناح الغربي بأبسط مطالب الجناح العربي في بيان مشترك لم يَصدر، ثَبُتَ أنها لم تصل الى غاياتها. ولم يُغيّر حضور الصف الأول لتمثيل الأمم المتحدة والجامعة العربية بأمينيهما العامّين في مجرى الأمور والمحادثات شيئاً، فهم ممّن تَولّوا كالعادة في كلماتهم تصوير الوضع الميداني والإغاثي الكارثي في قطاع غزة، من دون ان يكون لهم أي سلاح سوى تمنياتهم بتوفير أدنى حقوق الفلسطينيين الانسانية والاجتماعية والطبية وفتح معبر رفح البوابة البرية الوحيدة الى القطاع. وهو ما لم يغيّر في مواقف ممثلي الولايات المتحدة والدول الاوروبية قيد أنملة ولو من باب اللياقات الديبلوماسية ولو للرَد بطريقة غير مباشرة على مضمون بعض الكلمات القاسية لكل من العاهل الأردني والرئيس الفلسطيني بعدما ساوَت بعض خطابات العرب بين ضحايا الآلتين العسكرية لإسرائيل و»حماس» وحليفاتها من المنظمات الفلسطينية بطريقة علنية.

 

وبناء على هذه النقطة بالذات، بُنيت التوقعات على نتائج القمة فجاءت متطابقة مع التوقعات اللبنانية التي لم تتخذ اي موقف علني من استبعاد لبنان عن أعمالها. الى درجة اعتبرت فيها الديبلوماسية اللبنانية أنّ الامر لم يكن يستأهِل تسجيل عتب او التعبير عن استياء، فبقي هذا الموقف محصوراً بالكواليس الديبلوماسية. ولم يكن سهلاً على اللبنانيين ان يَستوعبوا المساواة في قرار استبعاده ربطاً بعدم توجيه الدعوة الى الجانب الاسرائيلي وهو ما اعتبر سقطة كبيرة اقترب البعض من المعنيين الى اعتبارها رسالة مصرية مدوّية لواشنطن وتل أبيب في هذه المواجهة التي يجب أن تكون شاملة على مستوى العالمين العربي والإسلامي على حد سواء.

وختاماً، فإنّ الديبلوماسية اللبنانية التي تعاني من عجز حكومة تصريف الاعمال، تراهن على ما يبدو في استبعاد ضَم الساحة اللبنانية كاملة الى الساحات المتفجرة في المواجهة المفتوحة مع اسرائيل على الادارة الاميركية التي تعهّدت بلجم الجانب الاسرائيلي ومنعه من اي اعتداء يقود الى تفجير الجبهة الشمالية مخافة ان يتحول لبنان «غزة ثانية». فالأزمة مفتوحة على شتّى الاحتمالات السلبية، وانّ الرهان على القمة بات من الماضي كما الرهان على إجماع عربي مفقود على رغم مما يحصل حتى اليوم.