IMLebanon

اللعب بالتوازنات لإكمال مخطط وضع اليد على القرار المالي للدولة

 

يقتبس العراقيون، بإمتياز، السلوكيات السياسية اللبنانية، وآخرها مسألة الثلث المعطّل الذي أفشل، قبل أسبوع، انتخاب رئيس جديد للجمهورية، بعدما نجح «الإطار التنسيقي» الشيعي، مع حلفائه من الأكراد والسنّة، في تأمين هذا الثلث الضامن (كما يسمّيه الإطار، وهي التسمية التي كان حزب الله أول من أطلقها في لبنان قبل سنوات) لتعطيل اكتمال النصاب القانوني لجلسة الانتخاب. ولا شك أن اقتباس تلك السلوكيات، وتجلّى مرارا وتكرارا، على مثال الإشكالية التي إنتهت اليها الانتخابات التشريعية العامة مع مبادرة الفريق الشيعي الى شتى أنواع المناورات للالتفاف على النتيجة، ناتج من تيقّن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، الراعي الرسمي، حذاقة تطبيقها في لبنان.

 

هل تستدرك بكركي ما يجري بتغطية محلية ودولية وتُحبط ذريعة الغطاء لمصادرة صلاحيات حاكم المركزي

 

لكن الفارق بين بيروت وبغداد كبير وشريد. ثمة رئيس للوزراء، هو مصطفى الكاظمي، ديناميكي بأجندة واضحة، لا يعدم فرصة لبلورة دور وازن للعراق محليا وخارجيا، من الاجتماعات الحوارية التي استضافها وجمعت مسؤولين من السعودية وسوريا، وصولا الى التوسط بين إيران والولايات المتحدة الأميركية لحل مسألة عقدة الحرس الثوري، العثرة الأخيرة التي لا تزال تحول دون توقيع الإتفاق النووي بين البلدين. (واشنطن لا تزال ترفض رفع الحرس من القائمة السوداء كمنظمة إرهابية أجنبية، كما ترفض رفع العقوبات المفروضة على الأفراد والكيانات التابعة له).

 

ولا شك أن الكاظمي، بديناميته واستراتيجيات العمل التي يتّبعها، أعاد ترميم صورة العراق عربيا ودوليا، تماما كما أعاد وضعه في صلب خارطة الإهتمام الإقليمي، مع أدوار الوساطة السياسية والاستخبارية.

 

في بيروت، يتخبّط رئيس الحكومة نجيب ميقاتي. يُهدد بإستقالة ممنوعة من الصرف بقرار دولي، ثم يعود عن التهديد. يتنازعه محيطون غير جديرين، ورّطوه في توليفة هجينة ومرتجلة للكابيتال كونترول من شأنها أن تلتهم ما بقي من أمل لدى اللبنانيين لإسترجاع ودائعهم. صوّروا له أن صندوق النقد الدولي بصم على الصيغة، في حين تبيّن لاحقا ان الصيغة خلت من كثير من الملاحظات التي وضعها خبراء الصندوق الثلاثة الذين أتوا في سياق معونة فنية طلبتها منه الحكومة.

 

أما الأخطر في كل مشروع الكابيتال كونترول الذي أقرته الحكومة يوم الأربعاء، فانطواؤه على نزعة تسلّطية مذهبية غير مسبوقة تتحكّم بحركة الأموال لسنين مديدة عبر بدعة اللجنة التي يُراد ترئيسها الى وزير المال (اليوم يوسف خليل وغداً وزراء أمليون آخرون طالما أن مفتاح وزارة المال صار في جيب الثنائي بذريعة التوقيع الثالث الذي حوّلها سلطة أولى، تتحكّم بالصرف والتعيينات وتعطّل قرارات مجلس الوزراء متى لم تتواءم وتوجّهات الرعاة!).

 

في المقابل، تصبح حاكمية مصرف لبنان (أحد الأعمدة المارونية في هرمية الحكم) مجرّد سلطة إسمية وورقية، في إنتظار أن تتوزع صلاحية الحاكم، أو ما بقي منها في ضوء اللجنة- البدعة، على المجلس المركزي، وهو المشروع الجديد المتوقّع أن يطرحه الفريق الحكومي لإستكمال مخطط وضع اليد على القرار المالي للدولة.

 

يحدث كل ذلك تحت أنظار بكركي التي لا تزال تعتقد بأحقية منح الحاكمية الغطاء الكنسيّ لتجنيبها الملاحقة القضائية في قضايا صارت ثابتة وأخرى على الطريق.

 

ربما حان الوقت لنظرة أكثر شمولا وحنكة، فتستدرك بكركي وتحبط ما يجري العمل عليه بتغطية محلية ودولية، فتُبصر أن التغيير باب لتعزيز الحاكمية، وترفض أن يُستخدم غطاؤها اليوم ذريعة لمصادرة الصلاحية والدور عبر تفتيت الحاكمية وتوزيع القرار على مجلس مركزي هو فعليا مجلس ملّة، تماما كما ترفض غداً توظيف حجّة الغطاء لتحميل الجماعة كلها وزر ما ارتُكب من أخطاء على مستوى السياسة المالية. ويجري بنتيجة ما يخطَّ له تكريس واقع مشوب بالعلل يغيّر جذريا وجه الإنتظام المالي لمصلحة آخر يعكس حصرا مصالح الدويلة وإماراتها، كما كُرّست على إمتداد جمهورية الطائف، وقائع وواقعات قضمت الدولة وأرهقت المؤسسات وأفرغت الخزينة وأزهقت آمال اللبنانيين بدولة الحق والعدالة، وحوّلتها إمارات مذهبية وميليشوية تكريسا لدويلات زمن الحرب.