IMLebanon

حول صلاحيات حكومة تصريف الأعمال وشغور منصب رئاسة الجمهورية

 

يعتبر الدستور القانون الأعلى والأسمى الذي يتسلم قمة الهرم القانوني، في أية دولة دستورية، والذي تنتظم بموجبه القواعد القانونية التي تحكم أعمال الدولة، مما يقتضي معه أن تأتي متلائمة ومتوافقة مع أحكامه تحت طائلة الإبطال.

وعادة ما يتصدر الدستور مقدمة تتضمن المرتكزات الأساسية والمبادئ العامة التي يقوم عليها النظام الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للمجتمع السياسي والذي يعكس قيم هذا المجتمع وتطلعاته وأمانيه.

 

ولم يخرج الدستور اللبناني عن الأصول التي ترعى وضع الدساتير وتعديلاتها، فقد صدر الدستور اللبناني في 23 أيار 1926، وخضع لتعديلات كثيرة آخرها، التعديلات التي تمت بموجب القانون الدستوري الصادر في 21 أيلول 1990، استناداً إلى وثيقة الوفاق الوطني التي عرفت باتفاق الطائف.

وكأي دستور يعلو على كل القواعد القانونية، فإن تطبيقه، لما ينطوي عليه من قواعد عامة وآمرة، يكون ملزماً لكل المؤسسات الدستورية، ويجب التقيد في تطبيق أحكامه بالأصول التي تحكم تطبيق النصوص القانونية، وأساسها أن لا اجتهاد في معرض النص، عندما يكون النص واضحاً وصريحاً، وعدم التوسع في تفسير نصوصه، وان يأتي تفسير النصوص، عند غموضها، بالمعنى الذي يحدث معه أثراً يكون متوافقاً مع الغرض منه ومؤمنا التناسق بينه وبين النصوص الأخرى. وفي ضوء ما تقدم، وبالعودة إلى أحكام الدستور اللبناني، الواضحة والملزمة، يمكن الإجابة على التساؤلات التي يطرحها هذا الموضوع كما يأتي:

أولا: في صلاحيات الحكومة المستقيلة:

نصت المادة 69 من الدستور على ما يلي:

«تعتبر الحكومة مستقيلة في الحالات التالية:

أ- اذا استقال رئيسها

ب- اذا فقدت أكثر من ثلث عدد أعضائها المحدد في مرسوم تشكيلها.

ج- بوفاة رئيسها.

د- عند بدء ولاية رئيس الجمهورية

هـ-عند بدء ولاية مجلس النواب

و- عند نزع الثقة منها من قبل المجلس النيابي بمبادرة منه او بناءً على طرحها الثقة.

وفي حال تحقق اي من هذ الحالات، وبالتالي الحالة التي شهدتها البلاد مؤخراً، في الانتخابات النيابية التي جرت في الخامس عشر من شهر ايار 2022، أي مع بداية ولاية مجلس النواب، اصبحت الحكومة حكومة تصريف أعمال، وتمارس صلاحياتها، بالتالي، استناداً الى المادة 64 فقرة 2 من الدستور بالمعنى الضيق لتصريف الاعمال.

هذا هو الوضع الدستوري والطبيعة القانونية للحكومة المستقيلة او المعتبرة مستقيلة، وفقاً لاحكام الدستور اللبناني، اي انها تتحول الى حكومة تصريف اعمال، بحيث تفقد صلاحياتها الدستورية، وتكون بمنأى عن المساءلة والمحاسبة امام مجلس النواب، أي أنها تصبح حكومة غير مسؤولة.

ولكن الدستور اللبناني، كما غيره من الدساتير، لم يحدد المهام او الصلاحيات التي يمكن ان تتولاها حكومة تصريف الاعمال لانها مسألة عارضة ومؤقتة واستثنائية، ويجب ان تبقى كذلك ويتم التعامل معها على هذا الاساس تمهيداً للعودة سريعاً الى الاصل اي الى الحالة الطبيعية، بل تكفل بذلك الاجتهاد القضائي، ولا سيما اجتهاد مجلس الدولة الفرنسي Conseil D`Etat وسار على هديه، اجتهاد مجلس شورى الدولة اللبناني.

ونظرية تصريف الاعمال هي نظرية اجتهادية من صنع القضاء الاداري، ولا تتطرق اليها الدساتير عامة، الا ان الدستور اللبناني، بعد التعديلات التي ادخلت عليه بموجب اتفاق الطائف، اراد ان يقونن هذه النظرية، دون ان يحدد مضامينها، بل ذهب أبعد من ذلك، فتشدد في مفهوم هذه النظرية، وحصر ممارسة حكومة تصريف الاعمال لصلاحياتها بالمعنى الضيق لتصريف الاعمال، وذلك تأكيداً منه على أمرين أساسيين:

1- حصر ممارسة حكومة تصريف الاعمال في أضيق نطاق ممكن.

2- الاسراع في تشكيل حكومة تضطلع بمسؤولياتها الدستورية وتكون مسؤولة امام البرلمان، لتفادي ما يمكن ان ينتج من اضرار ومخاطر في مصالح البلاد العليا، اذا ما طال أمد تشكيل الحكومة.

اما عن الصلاحيات التي تتمتع بها حكومة تصريف الاعمال، فتحكمها قاعدتان او مبدءان:

1- مبدأ عدم مسؤولية الحكومة امام مجلس النواب.

2- مبدأ عدم جواز فراغ العمل الحكومي، وبالتالي استمرارية عمل المؤسسات الدستورية والمرافق العامة.

وأما عن المبدأ الاول، فإن مسؤولية الحكومة، في نظامنا البرلماني، تقضي بأن تمارس مهامها وهي حائزة على ثقة مجلس النواب ترتبط بثقته، فاذا ما قدمت الحكومة استقالتها او اعتبرت مستقيلة، وفقاً لأحكام المادة 69 من الدستور، فإن ذلك يفقدها كيانها القانوني الذي يخولها ممارسة شؤون الحكم، وتصبح من ثم غير مسؤولة امام مجلس النواب، وغير ذات صفة لتمثل امامه.

ويأتي المبدأ الثاني ليغطي فراغ الحكم الذي يسبق تشكيل الحكومة الجديدة، لأن من شأن هذا الفراغ ان يؤدي الى تعطيل اعمال السلطة التنفيذية، وشل العمل في مصالح الدولة ومرافقها وتعريض حقوق ومصالح المواطنين للضرر، فضلاً عن تعريض البلاد لشتى المخاطر، وتجنباً لهذه المخاطر والمحاذير، جرى العرف الدستوري، واستناداً إلى مبدأ وجوب استمرارية المرافق العامة Continuité des services publics على استمرار الحكومة بممارسة أعمالها ومهامها بحيث يحدد نطاق أعمالها بما سمي بتصريف الأعمال العادية.

وعلى هذا الأساس حصر الاجتهاد القضائي الأعمال العادية بالأعمال اليومية وتيسير معاملات المواطنين وتأمين مصالحهم، في حين منع عليها القيام بأعمال تصرفية كتلك التي ترمي إلى إحداث أعباء جديدة أو التصرف باعتمادات هامة أو إدخال تغيير جوهري على سير المصالح العامة وفي أوضاع البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لأن من شأن هذه الأعمال إلزام مسؤولية الحكومة أمام مجلس النواب، وإن السماح لحكومة مستقيلة أو معتبرة مستقيلة بإجرائها يؤدي إلى ضياع المسؤولية.

إلا أن الاجتهاد استثنى من ذلك التدابير التي تتخذ في حالة الضرورة أو التي تستدعيها ظروف استثنائية تتعلق بالنظام العام أو بمصالح البلاد العليا وأمنها الداخلي والخارجي، وكذلك الأعمال الإدارية التي يجب إجراؤها في مهل محددة بالقوانين تحت طائلة السقوط والإبطال، وذلك حفاظاً على سلامة الدولة وأمن المجتمع، وفي هذه الحالات تخضع هذه التدابير وتقدير ظروف اتخاذها إلى رقابة القضاء الإداري بسبب غياب الرقابة البرلمانية وانتفاء مسؤولية الحكومة. ولكن هل يتغير الوضع القانوني والدستوري فيما لو حصل أيضاً شعور في منصب رئاسة الدولة؟.

ثانياً: الوضع القانوني والدستوري للحكومة في حالتي انتخاب رئيس الجمهورية أو حصول شغور في منصب رئاسة الدولة.

حرص الدستور اللبناني على احاطة منصب رئاسة الجمهورية بكل الضمانات التي تصون هذا الموقع الذي يأتي على رأس المؤسسات الدستورية ولما يمثله هذا الموقع، في نظامنا البرلماني الديمقراطي من صمام امان للنظام ولانتظام عمل المؤسسات الدستورية ووحدة الدولة والوفاق الوطني، وباعتبار رئيس الجمهورية المرجع في القضايا الوطنية والذي يلعب دور الحكم في الصراع السياسي، فأخرجه من دائرة التجاذب والتنافس والصراع السياسي بين اكثرية تحكم وأقلية تعارض، من جهة، وبين توازن محكم ودقيق، يقوم بين سلطة تنفيذية وسلطة تشريعية، تحكم العلاقات بينهما، وسائل ضغط متبادلة، بين ثقة من مجلس النواب تحتاجها الحكومة لتحكم وصلاحية الحكومة بحل مجلس النواب، من جهة ثانية، ليستقيم امر البلاد، فنصت المادة 49 من الدستور على ما يعطي لهذا الموقع مركز الصدارة والثبات والاستقرار والمؤتمن على أمن الوطن، بقولها:

«رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، يسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه وفقاً لأحكام الدستور».

وتأكيداً على اهمية هذا الموقع وحساسيته واستقلاليته، عالج الدستور وضعية الرئاسة في حال حلول موعد المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية، بعيداً وبالاستقلال عن وضعية الحكومة وكيانها القانوني والدستوري، وسواء كانت في وضع حكومة مكتملة الكيان القانوني والدستوري، او في وضعية حكومة تصريف اعمال، فأكد الدستور على اولوية انتخاب رئيس الجمهورية، وحدد موعداً اوجب على مجلس النواب الالتزام به لاجراء هذا الانتخاب، قبل انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر على الاقل وشهرين على الاكثر، وحرصاً على عدم شغور المركز، ووضع هذا الامر في عهدة ومسؤولية رئيس مجلس النواب، فنصّت المادة 73 من الدستور على ما يلي:

قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر يالتئم مجلس النواب بناء على دعوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد، وإذا لم يدعُ المجلس لهذا الغرض فإنه يجتمع حكما في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس».

ويجب التوقف ملياً عند الفقرة الثانية من المادة 73 من الدستور ومدلولاتها الدستورية والسياسية، لأن الدستور لم يترك للمجلس النيابي حرية الالتئام أو أعطاه سلطة استنسابية في هذا الأمر، بل جاء النص في صيغة الإلزام، لأن انتخاب رئيس الجمهورية ليس شأناً دستورياً فقط، ولكنه شأن وطني يترتب على مراعاته واحترام موعده، أمر استقرار البلاد وانتظام العمل في مؤسسات الدولة واستمرار الحياة السياسية فيها، حتى إذا أخل النواب بهذا الموجب، ولم يقم رئيس المجلس بواجب دعوة المجلس للانعقاد وانتخاب رئيس الجمهورية ضمن المهلة المحددة، فإن الدستور أوجب على المجلس أن يجتمع حكما في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس.

والنتيجة التي تترتب على ذلك أن النائب ملزم بالمشاركة في انتخاب رئيس الجمهورية ولا يجوز له الامتناع عن تلبية الدعوات المتتالية التي توجه إليه لانتخاب الرئيس، بحجة أن حضور الجلسات أو عدم حضورها يعود لخياره واستنسابه ويعبر عن موقف سياسي ديموقراطي، لأن النائب في الدستور اللبناني يمثل الامة، ولديه تكلیف دستوري بالمشاركة في الانتخابات، وبقدر ما تشكل هذه المشاركة حقاً تستوريا له، فهي تشكل موجبا دستوريا ووطنيا للقيام به، وليس حقاً شخصيا، بل هو حق الشعب على النائب، وهو واجب لا خيار له فيه، والا اعتبر مخلاً بواجب دستوري ووطني، ونصوص الدستور واضحة بهذا الأمر، لا إشكال فيها ولا تحتمل التفسير، وقد وردت بصيغة امرة لا التباس فيها. وإذا كان الدستور قد ترك الحرية للنائب أن ينتخب من يراه مناسباً لرئاسة الجمهورية، لأنه لا يجوز أن تربط وكالته بقيد أو شرط من قبل منتخبيه، لكنه لم يترك له الخيار في الحضور إلى مجلس النواب والمشاركة في انتخاب رئيس للجمهورية، لأن امتناعه عن ذلك، لحسابات خاصة أو مصالح شخصية أو فئوية أو حزبية أو سياسية، يعتبر إخلالا بواجباته، ويشكل مخالفة دستورية خطيرة، وينزع عنه وكالته الانتخابية بل شرعية وجوده كممثل للشعب وكمعبر عن إرادة الشعب ومصالح البلاد العليا، كما أن ذلك لا يعطي الحق للنواب بتعطيل جلسات انتخاب الرئيس عبر تطيير نصاب هذه الجلسات.

وكذلك عالج الدستور وضعية الرئاسة في حال شغور منصب الرئاسة، عندما تنتهي ولاية رئيس الجمهورية دون انتخابه، فألزم الدستور مجلس النواب بالانعقاد فوراً، والشروع دون تأخير بملء الفراغ على رأس الدولة، فنصت المادة 74 من الدستور على ما يلي:

«اذا خلت سدة الرئاسة بسبب وفاة الرئيس او استقالته او سبب آخر (انقضاء الولاية دون انتخاب رئيس) فلأجل انتخاب الخلف، يجتمع المجلس فوراً بحكم القانون واذا اتفق حصول خلاء الرئاسة حال وجود مجلس النواب منحلاً تدعى الهيئات الانتخابية دون ابطاء ويجتمع المجلس بحكم القانون حال الفراغ من الاعمال الانتخابية».

وقد احتاط الدستور لحالة وجود حكومة مستقيلة أو معتبرة مستقيلة، أي في حال وجود حكومة تصرف الأعمال، أثناء حصول الشغور، فنبّه الدستور في المادة 75 منه، أن المجلس الذي يلتئم في هذه الحالة تأكيداً على أهمية وأولوية ملء الشغور يعتبر هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية، حيث جاء فيها:

«إن المجلس الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية يعتبر هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية ويترتب عليه الشروع حالا في انتخاب رئيس الدولة دون مناقشة أو أي عمل آخر».

ولم يغب عن المشرع الدستوري حالة الفراغ التي يمكن ان تحصل ما بين شغور المركز وإشغاله بالانتخاب، عملاً بالمبدأ العام أن لا فراغ في السلطة وفي المؤسسات الدستورية، فجاءت المادة 62 من الدستور واضحة جيلة في تصريحها:

«في حال خلو سدة الرئاسة لأي علة كانت تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء».

وربّ قائل كيف يجوز لحكومة تصريف اعمال ان تمارس صلاحيات رئيس الجمهورية، على اهميتها وخطورتها، والجواب على ذلك يكون بالعودة الى اعمال نصوص الدستور، وفقاً للقواعد العامة في التفسير، التي تقضي بإعطاء النصوص القانونية مفاعيلها القانونية بما يجعلها مكملة لبعضها البعض، لا اهمالها او الركون الى اجتهادات لا علاقة لها بأحكام الدستور او بنصوصه او بروحه، وبالتالي، فإنه يعود للحكومة بل ينبغي عليها ان تستمر بممارسة اعمالها، استناداً الى نص الدستور، ووفقاً للمادة 64 فقرة 2، وبالمعنى الضيق لتصريف الاعمال، بما في ذلك المهام المناطة دستورياً برئيس الجمهورية، كما لو كانت حكومة تعمل دون شغور منصب رئاسة الجمهورية. وفي هذه الحالة يمارس مجلس الوزراء صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة ووفقاً لنظامه، أي وفقاً للنظام المتّبع في جلسات مجلس الوزراء، او في طريقة التصويت على القرارات، او في التوقيع عليها، تطبيقاً لما نصّت عليه المادة 65 من الدستور، لأن الحكم الذي يسري عليها، في الحالتين، حالة الشغور في منصب الرئاسة الاولى، او وجود حكومة تصريف اعمال، هو مبدأ استمرارية عمل السلطات والمرافق العامة الذي رفعه المجلس الدستوري في فرنسا، ومن ثم في لبنان الى مرتبة المبدأ الذي يتمتع بقيمة دستورية، وجاءت الاعراف والسوابق الدستورية في لبنان، لتؤكد على المنحى الذي سار عليه الفقه والاجتهاد.

ويترتب على كل ذلك النتائج القانونية والدستورية الآتية:

أ- إن الشروع في انتخاب رئيس الجمهورية ضمن المهلة الدستورية إعمالاً لنص المادة 73 من الدستور، ودون تأخير، ومنعاً لحصول أي شغور في منصب الرئاسة، يشكل أولوية على أي عمل آخر.

ب- إن خلو سدة الرئاسة بسبب عدم انتخاب الرئيس ضمن المهلة الدستورية، أو لأي سبب آخر، يضع بين يدي المجلس النيابي صلاحية وواجب ملء هذا الشغور فورا وبحكم الدستور.

ج- إن مجلس النواب يمارس هذه الصلاحية بمعزل عن أي سلطة دستورية أخرى، ويستقل بممارستها دون تدخل وبالاستقلال عن أية سلطة أخرى.

د- لا يتأثر هذا الانتخاب بالوضعية القانونية للحكومة القائمة، سواء كانت مكتملة الكيان القانوني والدستوري وحائزة على ثقة مجلس النواب، أو كانت حكومة مستقيلة أو معتبرة مستقيلة، أي حكومة تصريف الأعمال.

هـ – تبفي الحكومة قائمة بتصريف الأعمال إن كانت مستقيلة أو معتبرة كذلك، وتمارس صلاحياتها بالحد الأدنى لتصريف الأعمال، بما في ذلك ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة، وفي إطار ونطاق مفهوم ومضمون تصريف الأعمال.

و- إن شعور منصب رئاسة الدولة، أثناء قيام الحكومة بتصريف الأعمال لا يغير من طبيعتها القانونية ولا من مهامها، لأن انتخاب رئيس الجمهورية وبدء ولايته، يجعلان الحكومة، فيما لو كان كيانها القانوني والدستوري مكتملاً، حكومة مستقيلة حكماً، بما يحولها إلى حكومة تصريف أعمال.

ز – إن انتهاء ولاية رئيس الجمهورية دون انتخاب يضع حدا لولايته بحكم الدستور ويفقد صفته كرئيس للجمهورية، وتنتقل صلاحياته وكالة إلى الحكومة حكماً عملاً بالمادة 62 من الدستور، ولم يسبق لأي رئيس جمهورية أن استمر في ممارسة مهامه الرئاسية تحت أي ظرف كان مع انتهاء ولايته وعدم انتخاب بديل عنه، مع تكرار السوابق لهذه الحالة (انتهاء ولاية الرؤساء فرنجية وسليمان ولحود)، لأن ذلك يشكل مخالفة صارخة للدستور ويعرضه للمساءلة، فضلاً عن أن ذلك من شأنه أن يدخل البلاد في المجهول.

إذا تمعنّا بالمبادئ والأسس الدستورية التي يقوم عليها بنيان الوطن ومناعته، نستطيع أن نتبين بوضوح مدى تأثير غياب رئيس الجمهورية عن هذا الموقع الأساسي في هيكلية الدولة، أو حدوث فراغ في موقع رئاسة الجمهورية، والخلل الذي يصيب البلاد والضياع الذي ينتاب الحكم، باعتباره يجسد وحدة البلاد بكاملها، وعندما نخسر المرجعية الأساسية التي تسهر على احترام الدستور، وتصون العيش المشترك، تحل الفوضى في الحياة السياسية، ويكون لكلٍّ دستوره وقوانينه الفاعلة، حيث تتحكم موازين القوى الداخلية في إدارة البلاد التي تتحكم بها موازين القوى الخارجية، فتفقد البلاد قرارها الوطني بغياب المرجعية ويصبح استقلالها مهدداً، إن لم نقل مفقوداً، فما بالك بوحدة الشعب وما بالك بسير عمل مؤسسات الدولة.

إنها أزمة خطيرة يعيشها اللبنانيون، نقضُّ مضاجعهم وتزرع القلق والخوف والشك في قلوبهم وعقولهم، أزمة ثقة، أزمة ضمير، أزمة حكم، أزمة ثقافة سياسية ودستورية، أزمة احترام للدستور والقوانين، نعيش أزمة وطنية، أوصلت البلاد إلى حالة تعطيل كامل، الدستور معطل، والمؤسسات الدستورية معطلة، والضمير الوطني معطل، والاقتصاد مشلول، والفقر والبطالة والبؤس والاحباط تفتك بالناس، والبلاد تتهاوى والمبادرات لا تصل إلى حل، بل هي في حالة مواجهة، ومعضلة انتخاب رئيس الجمهورية سائرة إلى التعقيد والتأزم، ومع هذا المشهد المأساوي، يبقى العناد متحكماً بالمواقف، وموقع رئاسة الجمهورية أسير الأمزجة والأنانيات والمصالح، ويبقى السؤال الكبير مطروحاً : إلى أي مصير يتجه لبنان؟