IMLebanon

المسايرة طيّرت “سيدر” والتجربة تتكرّر

 

تفرض العجلة نفسها على حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في تحديد الأولويات وإيجاد التمويل لما يلزم منها، لأن إدخال الأموال إلى البلد لن يكون سهلاً في وقت يتجه نحو الانتخابات النيابية من جهة، ويحتاج أي حديث عن التمويل إلى انتظار الاتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي تشكلت لجنة وزارية يرأسها نائب رئيس الحكومة الوزير سعادة الشامي ومؤلفة من وزيري المال والاقتصاد وحاكم مصرف لبنان… وبعض المستشارين، للتفاوض حوله من جهة ثانية.

 

بينما يسابق الوقت الحكومة، يواصل الفريق الرئاسي نهج السيطرة والقضم في السلطة، فيستبق مجلس الوزراء ويحدد من يريد في الوفد المفاوض مع صندوق النقد ويطرح مستشارين يعيّنهم هو بحجة المادة 52 من الدستور التي تجيز له عقد المعاهدات والاتفاقات مع الخارج، في وقت يتطلب التفاوض مع الصندوق خطة متكاملة تتحمل مسؤوليتها الوزارات المعنية والقطاعات المختصة سواء في الدولة أو في القطاع الخاص، طالما أن الأمر يشمل تصحيح أوضاع المصارف ومصير ودائع اللبنانيين وضمان طريقة استردادها، بعد توزيع الخسائر…

 

اللعبة هي ذاتها مستمرة لدى هذا الفريق، الذي يبدو أنه لا يعيش إلا على الحرتقات الواهمة بأنه يمسك بالسلطة لوحده ويفرض رأيه على الآخرين. وهي حرتقات تتجاهل العمل الجبار الذي تفرضه جهود إخراج البلد من الحفرة التي سقط فيها. فبالإضافة إلى الجلبة التي أحدثها حول تأليف الوفد المفاوض لصندوق النقد ورغبته بتعيين مستشارين له من الموظفين مساوياً إياهم بنائب رئيس الحكومة والوزراء، منكراً أن الوزراء يمثلون رئيس الدولة، ومصراً على أن من يمثله هم أصحاب الولاء للصهر فقط لا غير.

 

الجلبة التي افتعلها الفريق الرئاسي حول تأليف الوفد المفاوض مثل عن حال الإنكار التي يعيشها إزاء عمق الأزمة الذي لا يحتمل إضاعة الوقت بمماحكات لا حدود لها، مثل افتعال ترؤسه اجتماع المجلس الأعلى للدفاع لتمديد التعبئة العامة لمواجهة كورونا لإفهام شركائه الجدد في الحكومة أنه الآمر الناهي بعدما أسقطت الحاجة إلى التفرد بالسلطة، من مهمات مجلس الدفاع الجليلة التي أناطها به القانون، سها عن بال هذا الفريق أن يبحث المجلس قراراته بالسيطرة على الحدود ومنع التهريب على أشكاله ومنه السلاح. فهذا التهريب هو الذي أضاع على الخزينة زهاء 15 مليار دولار خلال السنتين الماضيتين بفعل تهريب المحروقات والمواد الغذائية المدعومة إلى سوريا، بدل البحث في كورونا الذي هو من اختصاص وزارة الصحة ومجلس الوزراء.

 

كل ذلك يطرح السؤال حول المدى الذي يمكن أن يذهب إليه الرئيس ميقاتي في مسايرة هذا الفريق بحجة أنه يريد أن يأكل عنباً لا أن يقتل الناطور، فيعقد التسويات معه على كل قضية وعنوان. فهذه القاعدة التي طال انتظار ثمارها بلا نتيجة، في حكومتي الرئيس السابق سعد الحريري منذ العام 2016، هي التي قادت البلد إلى الحفرة التي هو فيها، ما جعل الأخير يندم على تلك المسايرة.

 

الحكومة تعاني الآن من حصيلة الـ13 شهراً من الفراغ الذي أحدثته سياسة الفريق الرئاسي، وأضاع على لبنان فرصاً جديدة كما الفرص السابقة. الدليل هو اضطرار هذه الحكومة إلى الاستدانة مرة أخرى 100 مليون دولار من أجل استيراد الفيول لكهرباء لبنان، في وقت الخزينة خاوية. وهي استدانة على شاكلة الاقتراض الذي حصل سابقاً مما تبقى من أموال المودعين، بعدما تبلغ ميقاتي من زيارته لباريس أن على لبنان أن يصرف النظر عن أموال مؤتمر “سيدر” التي كان خصص جزء منها لتأهيل قطاع الكهرباء. فالدول التي شاركت في المؤتمر ومعها المستثمرون الذين دعتهم إليه، انتظرت طويلاً الإصلاحات الموعودة التي التزم بها المسؤولون منذ نيسان 2018، في وقت كان لا بدّ من أن تذهب الـ 8، 10مليارات دولار التي خصصت للبلد إلى جهات ودول أخرى.

 

من بين ما انتظرته دول “سيدر” هو تشكيل الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، التي ألزم الفريق الرئاسي المصر على التحكم به من دون من ينظّم ولا من يحزنون، ميقاتي، أن يراعيه في القفز فوق تشكيلها مرة أخرى. فكيف ستأتي الأموال في هذه الحال؟