IMLebanon

غيّروا البوسطة: فلنغير كل «البوسطات»

 

13 نيسان 1975، ذلك اليوم الاسود من تاريخ لبنان الحديث، مضى وانقضى وتوالت بعده سنوات الاحتراب الداخلي المقيت، ليعود «عقل الرحمن» في التسعينات إلى أبناء هذا الشعب المصاب بانفصام الوحدة الوطنية وبهيجان المبادئ المتناقضة المستمرة، والذي لم يعرف الهدوء والعقلانية والتصرف المتضامن والموحد إلاّ بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري ونشأة تكتل الرابع عشر من آذار، الذي عاش بضع سنوات من العمر التوافقي التلقائي، ثم لم يلبث أن أصيب بالشلل وانفخات الدف وتفرّق العشاق.

13 نيسان، كان هذه السنة مناسبة انتهزها جمع من قدامى المتقاتلين ليعلنوا للملأ أنهم قد «غيّروا البوسطة»، وأنهم نبذوا من أنفسهم وعقولهم نزعة السلاح والتقاتل، وأنهم رَكِبوا بوسطة جديدة قلبت أسطوانة الاقتتال القديمة رأسا على عقب وأحلّوا مكانها بوسطة جديدة نفترض أنها مزخرفة في خارجها ومريحة ومبردة في داخلها، وأن عقول وتوجهات ركابها ومسيّريها قد بردت هي الأخرى وتدعو المواطنين اللبنانيين إلى ركوب بوسطة الندم والالتزام بقواعد السلم والاستقرار وتبريد الرؤوس الحامية.

جيدة هذه البوسطة بكل رمزياتها، ومنها ننطلق لنتمنى أن يكون لدينا بعد الآن، جملة متعددة من البوسطات التغييرية والإصلاحية، التي تنبذ ركام الماضي المظلم والظالم ويشهد الله كم أننا بحاجة إلى أسطول منها، فما يقتضي تغييره واقتلاع جذوره الخبيثة والمؤذية والمهددة لكيان الوطن بأسره أرضا وشعبا ومؤسسات، قد بات بحجم الهموم العملاقة التي تستولي في هذه الايام العصيبة على عقول وتحسبات ومخاوف اللبنانيين المتزايدة على مصيرهم ومصير أبنائهم في وطن تتقاذفه أمواج وجودية واقتصادية ومالية عاتية، لئن هم تحمّلوها اليوم، فهم يخشون منها على أولادهم وأحفادهم. إن ما نحتاجه من بوسطات، يكاد ألاّ يحصى عددا ونوعا.  ما نحتاجه من وسائل نقل تقيلنا من عثرات الوضع المعيشي المتدهور والمعطوف على تدهور الأوضاع الاقتصادية في جميع المجالات والميادين، والتي يتحسب لها ومنها آلاف مؤلفة من ذوي الدخل المحدود ومن الموظفين الذين يهدّدهم المسؤولون صبح مساء بتخفيض رواتبهم التي تبلعها الاحتياجات المعيشية والأكلاف الحياتية بعيد قبضها في أول كل شهر، ولنا في تصريحات «فخامة الوزير» باسيل خير شاهد على أنجع الطرق لإنارة وتخويف أكبر شرائح الوطن عددا وحاجة مادية وفي طليعتها آلاف مؤلفة من شبابنا وشاباتنا العاطلين عن العمل والعاجزين عن استكمال حياتهم بالزواج والمتمترسين والمتمترسات لدى المحاكم طلبا للطلاق لضيق ذات الحال، ولتعذر استمرارهم في حياة طبيعية، ولقد جاءتنا نماذج من كل هؤلاء خلال اليوم الانتخابي في طرابلس حيث نقلت وسائل الإعلام المرئية صورا شعبية مقاطِعة للانتخابات احتجاجا على أوضاع أصحابها المهينة والمذلة والدافعة إلى شتى مواقع الحرمان واليأس، هؤلاء بأوضاعهم المأساوية الفريدة من نوعها المتردي في لبنان، البوسطات الانتخابية كادت أن تكون فارغة من ركابها الأساسيين، بنماذجهم المذكورة لنصل إلى ما يحتاج الوطن من وسائل نقل أكبر وأكثر وأهم، تخلّصنا من جحافل الفساد والمفسدين، وحرامية القطاع العام الذي من كثرة ما أصابه من تفتيت ونهش، كاد أن يزول، لتبقى منه مليارات من الديون المتكونة على كاهل اللبنانيين جميعا، مكونة ومتراكمة من مجمل السمسرات والسرقات وأعمال البلطجة الاقتصادية والمالية المعروفة بأشكالها وأنواعها ومرتكبيها، وزاد في الطين بلّة، استفحال موضوع السلاح وسيطرة الدويلة على الدولة بكل مرافقها وكل سلطاتها واستمرار الحال على ما هي عليه من فلتان وتسيب إداري ومالي في المطار والموانئ والجمارك، وغياب المؤسسات الرقابية عن أداء أدوارها المطلوبة، والتهديدات الأميركية بعقوبات اقتصادية ومالية تطاول الدويلة وأعوانها والدولة ومؤسساتها ومشاريعها. هناك محاولات مستجدة تقوم بها الدولة في بعض مؤسساتها الإدارية والدستورية، وبالرغم من سلامة بعضها وجودته النسبية، إلاّ أننا نجدها مسيئة في كثير من أحوالها ومواقفها، ولنا في قضية المجلس الدستوري واستنساب ما رآه في شأن نائب طرابلس السابقة والحالية ديما الجمالي دون سواها من بقية المناطق التي خلت من الاعتراضات بقدرة قادرة، لتكون انتخابات «مثالية» حيثما هناك تفلّت للسلاح والمسلحين ورجال الميليشيات على اشكالهم وأنواعهم المختلفة، وليكون الخلل الانتخابي محصورا في طرابلس المغمورة بالمظالم والحرمان، ولتكون رموز الفساد والتحكم والتسلط سليمة معافاة في كل مكان في لبنان، إلاّ في حالات وأماكن معينة مقصودة ومستهدفة لغايات في نفس يعقوب.

بوسطة عين الرمانة «الحديثة»، استحدثوا بديلا عنها، نرجو له التوفيق والاستمرار. بقية من البوسطات مطلوبة وبإلحاح، لتنقلنا من أجواء الحاضر المقيت، إلى رحاب الغد، أي غد مقبول ومعقول، فنحن نعيش أياما، غير مقبولة وغير معقولة.