IMLebanon

تغيير الطبقة السياسية لا يُنهي الأزمة الوطنية

يخلط البعض بين مستويين: الصراع السياسي والجانب المتصل بالفساد. لكنّ هذا الخلط غير واقعي، لأنّ البعد الخلافي في الجانب الأول بنيوي، ما يضع الطبقة السياسية في موقع إدارة الصراع، فيما يدير السياسيون عملية المحاصصة في الجانب الثاني.

قد تختلف إدارة سياسية عن أخرى، إلّا أنّ المحرّك الأساسي هو الخلاف حول العناوين الكبرى التي تطغى على الجانب القيادي الشخصي. فلو تبدلت الطبقة السياسية كلها، هل يمكن معالجة مسألة سلاح «حزب الله» خارج الدولة اللبنانية؟

بالتأكيد كلا، حيث أنّ معالجة هذه المسألة تتطلب تراجعاً من الحزب وطهران، فيما تَنحّي السيّد حسن نصرالله، على سبيل المثال، لا يبدّل في التوجّه الأساسي للحزب الذي قد يكون تَوسّع دوره مع نصرالله مقارنة مع الفترة التي تولّى فيها السيّد عباس الموسوي زمام القيادة، ولكنّ جوهر هذا الدور لم يتبدّل.

وما ينطبق على «حزب الله» ينسحب على القيادات السنية عشيّة الحرب اللبنانية وأثناءها، حيث انّ تَنحّي الطبقة السياسية السنية ما كان ليبدّل شيئاً في توجّه الشارع المُنجرف بتأييد الثورة الفلسطينية والكفاح المسلح.

وهذا الواقع ينسحب أيضاً على البيئة المسيحية، حيث يصعب التمييز بين موقف اتخذه مؤسس «القوات اللبنانية» الرئيس بشير الجميّل والدكتور سمير جعجع اليوم، كما يصعب التمييز بين موقف اتخذه مؤسس حزب الكتائب الشيخ بيار الجميّل والنائب سامي الجميّل اليوم، لأنّ عناوين السيادة والاستقلال والديموقراطية والحرية وتحييد لبنان تشكّل أدبيات البيئة المسيحية المقاومة سابقاً وراهناً.

فحلّ الأزمة السياسية يتطلب تحييداً دولياً وإقليمياً للبنان، وتعهداً بعدم استخدامه كساحة وصندوق بريد، وان تلتزم كل القوى السياسية أولوية القضية اللبنانية على ما عداها من قضايا، وان تتحول اللبننة إلى ثقافة شعبية وطنية، وان يُصار إلى وضع حد للصراع الطائفي واستقواء الطوائف بالخارج على بعضها…

وللتذكير فقط، انّ تغيير الطبقة السياسية لن يؤخر أو يقدم في حل الأزمة الوطنية إذا لم يتم التوافق على الفكرة اللبنانية ودور لبنان والتزام تطبيق الدستور والقوانين المرعيّة.

وأمّا الجانب المتصل بالفساد فيختلف عن المنحى السياسي ويتصل بالطبقة السياسية حصراً وطريقة ممارستها للسلطة. والتوصيف الذي أطلقه الرئيس فؤاد شهاب على هذه الطبقة بوَصفها بـ«أكلة الجبنة»، مشهور. وقد نجح إلى حد كبير في مكافحة هذه الآفة عبر المؤسسات الرقابية التي استحدثها والنهج الإصلاحي الذي اتّبعه. ولا شك أنّ الحرب ومن ثم الوصاية السورية قد فعلا فعلهما في جعل الفساد هو القاعدة لا الاستثناء.

وليس من منطلق رَمي كل المسؤولية على الوصاية السورية، ولكنّ واقع الحال يؤكد ذلك، لأنّ سوريا أمسكت بكلّ مفاصل البلد السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، ولم تكن في وارد تسهيل تمرير أي مشروع من دون ان تكون قد اقتطعت حصّتها، الأمر الذي فتح الباب واسعاً أمام الكوميسيونات والرشاوى، وحوّل مؤسسات الدولة إلى وسيلة أساسية تستغلّها القوى السياسية لكسب المال السياسي واستخدامه في سياق مشروعها السياسي.

وهذا المزج بين العام والخاص خطير جداً، ولكن لا يبدو انّ مكافحته جدياً مُمكنة قبل عودة سلطة الدولة وهيبتها، الأمر غير المتوافر في ظل وجود سلاح «حزب الله» الذي يضرب مبدأ المساواة بين الناس، ويُضعف هيبة الدولة، ويعطّل آليات المحاسبة والمساءلة. وبالتالي، يصعب الوصول إلى إصلاح فعلي قبل عودة الاعتبار الى الدستور والقانون والقضاء.

وعلى هذا الأساس فإنّ مكافحة الفساد أمر ضروري لتطويق مشروع الدويلة، ولكن من الخطيئة الاعتقاد انّ إسقاط الطبقة السياسية يؤدي إلى حل الأزمة الوطنية، هذه الأزمة المرتبطة بمشاريع إقليمية دفعَ جزء كبير من الطبقة السياسية ثمن مواجهتها اغتيالاً واعتقالاً وإبعاداً وتهميشاً. وبالتالي، إنّ المدخل الفعلي للتغيير يبدأ بإعلاء المواجهة السيادية التي تشكل ممراً إلزامياً للإصلاح ومكافحة الفساد.