IMLebanon

المسلمون إلى جانب الصين في النظام العالمي الجديد!

 

بتاريخ 13 كانون الأول 2022 كتبت مقالة في صحيفة «نداء الوطن» حول العلاقات الصينية-الاسلامية. وكان العنوان العام للمقالة يتناول الرهان السعودي الجيو-استراتيجي على دور مميّز للصين كقوة دولية صاعدة مع توقّع، وبحسب العنوان التفسيري للمقال أن يكون «العرب المسلمون إلى جانب الصين في النظام العالمي الجديد». وها إن الأحداث الراهنة تؤكد صحة الاستنتاجات التي ذهبنا إليها في المقال الذي نشر بتاريخ الخميس 15 كانون الأول 2022. وإلغاء السطر الثاني من عنوان المقال لأسباب فنيّة طباعية ربما لا يلغي المضمون العام للمقال وقد جاءت الأحداث تؤكد صوابيّته حين تتمكن الصين من تحقيق ما كان مستحيلاً وهو جمع المملكة العربية السعودية وايران في اتفاق ينصّ على عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. كما يؤكد الرغبة المشتركة لدى الجانبين في حل الخلافات بينهما عبر التواصل والحوار!

ثلاثة عناوين تطرح في مقاربة هذا الموضوع:

أولاً: ما هي المقومات والتطورات التي أدّت إلى هذا الاتفاق؟

ثانياً: ما هي باختصار مضامينه وأهدافه وحدوده؟

ثالثاً: إلى أي مدى هو اتفاق ملزم للدول الثلاث إن على مستوى الاقتناع لديها أم بالنسبة لمصالحها الاستراتيجية، أم بالنسبة لقناعاتها العقائدية-الايديولوجية؟

مقوّمات الاتفاق

يأتي الاتفاق السعودي-الايراني بمسعى صيني كنتيجة لمسار طويل من الأحداث والتطورات التي شهدها العالم في النصف الثاني من القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين، وكانت لها انعكاسات على دول وشعوب الشرق الأوسط. وفي عناوين هذه الأحداث:

1 – إنهيار الاتحاد السوفياتي دولاتياً وبروز عدة دول بينها أوكرانيا مع استمرار الخلفية الأساسية للدولة الروسية.

2 – إندلاع الحرب الروسية-الاوكرانية.

3 – قيام النهضة الصينية بأبعادها الماركسية كبديل للتجربة الروسية.

4 – بروز تجربتين في العالم الاسلامي: تجربة الثورة الايرانية بقيادة الملالي والبعد الشيعي. تجربة الثورة الرؤيوية السعودية بقيادة الأمير محمد بن سلمان بخلفياتها السنية.

5 – إستمرار التجربة الاسرائيلية في السعي لتأكيد ذاتها ووجودها.

6 – تفاقم الأزمة النفطية وخاصة بين الدول المنتجة والمستهلكة.

7 – تعاظم المخاطر الناجمة عن توسيع امكانيات القوى النووية وانعكاساتها على دول وشعوب الشرق الأوسط، بعد بروز سعي حقيقي لدى ايران بالعمل لامتلاك سلاح نووي من جانب واستمرار السعي لديها للسيطرة على دول المنطقة، بفعل دعم ومساعدة ومساندة الأقليات الشيعية المتواجدة فيها، الأمر الذي يقلق المراجع السنية في العالم- لا سيما القيادة السعودية.

إتفاق بكين بين السعودية وإيران

قام الرئيس الصيني شي جينبينغ بمبادرة مهمة في اتجاه عدة دول في الشرق الأوسط. وبتعاون وتفاهم مع الأمير سلمان بن عبد العزيز ولي العهد السعودي قام بزيارة الرياض حيث عقد ثلاثة اجتماعات قمة: واحدة مع قيادة المملكة والثانية مع قيادات مجلس التعاون الخليجي والثالثة مع القيادات العربية. ثم أتبعها بسعي حثيث للوصول إلى تفاهم بين دولتين مؤثرتين في المنطقة وهما السعودية وايران. وهكذا تم الاتفاق بينهما بسعي صيني على ما يلي:

1 – إستئناف العلاقات الديبلوماسية بينهما.

2 – إعادة فتح سفارتيهما خلال مدة اقصاها شهران.

3 – تأكيد الدولتين على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.

4 – تفعيل اتفاقية التعاون الأمني بينهما للعام 2001.

5 – تفعيل اتفاقية التعاون في مجالات الاقتصاد والتجارة والثقافة للعام 1998.

6 – الحرص على تعزيز السلم والأمن الاقليمي والدولي.

حدود الإلزام والإلتزام بالاتفاق

إنّ للاتفاق السعودي-الايراني أهمية استثنائية من حيث الشكل والمضمون على حد سواء: فهو اتفاق يبعد الولايات المتحدة ويستبعد روسيا في آن. وهو اتفاق يشكل قاعدة ثلاثية في النظام العالمي الجديد. وهو أول اتفاق دولي يجمع في الوقت عينه دولة عقائدية هي الصين ودولتين دينيتين هما السعودية وايران. كما يجمع بين المذهبين الاسلاميين: أهل السنة والشيعة الإمامية.

أما من حيث المضمون:

1 – فهو يعطي الصين دوراً جديداً ومحورياً في رسم مصير عالم اليوم.

2 – وهذا الدور سيكون حكماً وحتماً على حساب الولايات المتحدة أولاً وروسيا ثانياً وأوروبا ثالثاً.

3 – ولعل أهم ما في الاتفاق تأكيد الدولتين على احترام سيادة الدول بعدم التدخل في شؤونها الداخلية. ولعل هذا التأكد موجّه مباشرة إلى الثورة الايرانية التي استباحت التدخل في شؤون دول الشرق الأوسط من دون احترام سيادتها واستقلالها، ومع السماح لنفسها سياسياً وعسكرياً وعقائدياً على ارساء الأسس لقيام أنظمة موالية لها في معظم دول المنطقة، إمّا بفعل الثورات أو بفعل الميليشيات مع ما يرافق ذلك من دعم عسكري ومالي وسياسي. ولهذا صار المسلحون الايرانيون يتباهون بأنهم صاروا يسيطرون على أربع عواصم عربية.

4 – وما لا تشير إليه الاتفاقية، مع أنه في أساس سعي الصين لانجازها، هو المصالح النفطية بين الصين من جانب، والسعودية وايران من جانب آخر، وبالتالي هناك مصلحة مشتركة للدول الثلاث في هذه الاتفاقية.

5 – إنّ اعادة العمل بالاتفاقيات بين ايران والسعودية ينمّي الاقتصاد الايراني الذي يمر بصعوبات ومطبّات. كما إنّ وقف النشاطات اليمنية ضد السعودية يريح المملكة أمنياً واقتصادياً.

6 – على أنّ الاتفاق بين الدولتين، وإنّ حلّ بعض المشاكل فهو لا يعني حلّ جميع الخلافات بينهما كما صرح وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، داعياً إلى «فتح صفحة جديدة من العلاقات بين البلدين قائمة على التعاون والتنسيق والتنمية من أجل مستقبل أفضل يسوده الأمن والاستقرار والازدهار».

7- إنّ النقطة المركزية في هذه الاتفاقية هي في مدى القدرة على الإلزام والإلتزام بمندرجات هذه الاتفاقية. ولئن كانت الفئات المعنية بها محرجة تجاهها فإنّ في هذا الاحراج درجات.

ولعل الدرجة الأصعب والأخطر هي المتعلقة بارادة وقدرة الجمهورية الايرانية على الايفاء بمندرجات هذه الاتفاقية. فمع أهمية الاحراج السياسي والجيو-سياسي هناك ما هو أهم وأعمق: الاحراج العقائدي. فعلى عكس ما يظن الكثيرون ليس بمقدور السلطة في ايران أن تخرج عن أسس منطلقاتها المبدئية في النظرة إلى أمور الحياة العامة والدولة والسلطة ونظام الحكم، وهي أمور راسخة في سلّم القيّم الذي يسيّر الحياة العامة للسلطة في ايران، وهو سلّم يستوحي الايمان الشيعي من دون سواه في أمور الدين والدنيا… وتلك هي الاشكالية التي ستواجه الاتفاقية!

(*) باحث في الفكر الجيوسياسي