IMLebanon

الإصطفاف المسيحي وغياب القوة الثالثة

في المرحلة الصعبة، والتي تشتد صعوبة يطرح السؤال ذاته: لماذا يزداد التأرجح الداخلي كلما بدت المشاكل معقدة في الخارج؟ هل لأن إرتباط الأطراف الداخلية بالخارج هو بلا حدود؟ أو لأنّ العجز الداخلي هو، ايضاً، بلا حدود؟ علماً إن الإحتمالين هما وجهان لعملة واحدة؟

كان في التقدير أنّ التطورات الإقليمية المتصاعدة، بدءاً من سوريا الى اليمن، من شأنها أن تسهم في إيجاد نوع من التهدئة الداخلية… إن لم يكن توافقاً جدياً فأقله هدنة سياسية واقعية، إلاّ أن شيئاً من ذلك لم يحصل. والعكس صحيح فالتصعيد بلغ ذروته، والمرونة فقدت نهائياً تقريباً، والحوار القائم بين حزب الله وتيار المستقبل لم يعد أكثر من «باراڤان» أوهى من أن يحجب ما يفترض أنه يخفيه وراءه.

فهل من أمل في حل لهذا التأزم، أو على الأقل لطي صفحته موقتاً حتى يظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود بشكل قاطع في المنطقة؟!

لا يبدو ذلك وارداً في الأفق… فالتطورات الخارجية المتصاعدة كفيلة بأن تقود الأطراف الداخلية الى رفع الصوت وربما الشروط أيضاً، خصوصاً وأن كل طرف يعتقد نفسه «منتصراً» في المدى الإقليمي. وبالفعل (في هذه النقطة بالذات) لو راجعنا أدبيات 14 آذار و 8 آذار، كلاّ على حدة، لاكتشفنا الفارق الجذري في قراءة كل منهما للحدث اليمني… ولتبين لنا أنّ الطرف الواحد منهما لا يجد نقطة واحدة مشتركة مع الطرف الآخر.

ومثل هذا «الإفتراق» الجذري (ولا نكتفي بكلمة «الخلاف») مرشح لأن يتفاقم في غياب أي قوة ثالثة من شأنها أن تشكّل صمام الأمان، أو اقله ممتص الصدمات عن الوضع الوطني العام. فليس من قوة ثالثة قادرة على الحراك، ويكون أعضاؤها من ذوي الحيثيات المعروفة والمشهود لهم بالحس الوطني وبالماضي الوطني… أي بمثابة «حكماء» كانت الساحة اللبنانية تحفل بأمثالهم تاريخياً أمثال بيار إده وهنري فرعون ويوسف سالم وآخرين.

إلى ذلك أسهم إصطفاف المسيحيين إلى جانب طرفي النزاع الأساسين، ولنسمّ الأمور بأسمائها. الى جانب الفريق السني بزعامة تيار المستقبل من جهة، والفريق الشيعي بقيادة حزب اللّه من جهة ثانية… أسهم هذا الإصطفاف ليس فقط في إنعدام فاعلية الدور المسيحي وحسب، بل أيضاً في تعريض الوطن برمته الى مواجهة مباشرة سنية – شيعية هي بالضرورة امتداد لما يجري في المنطقة… وإن كانت (ويؤمل أن تبقى) محكومة بالسياسة، فلا تتحوّل الى ما هو أدهى وأشد فتنة…

ذلك هو الواقع المؤسف الذي من شأنه أن يترك الحال في البلد على كف عفريت، كما يبقيها متفاعلة مع سلبيات المنطقة.

وهذا أخطر ما في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ لبنان.