IMLebanon

مسيحيو «المستقبل».. غرباء في منزلهم!

أوغاسبيان يدعو للانفتاح على «حزب الله»

مسيحيو «المستقبل».. غرباء في منزلهم!

يحتار «تيار المستقبل» على أي برّ يفترض أن يرمي مرساته. تعجز قيادته عن مواكبة تطورات تكاد تتغيّر معها معالم المنطقة بكاملها. الحدود السورية العراقية صارت بين ليلة وضحاها تحت وصاية «الخليفة» أبو بكر البغدادي. الشمال السوري الكردي أفرغ تحت تهديد السيف والسكين… وثمة «سايكس بيكو جديد» يتشكّل بالدم والنار.

يتلعثم «المستقبليون» ويقفون مكتوفي الأيدي. هل يلاقون «المملكة» بانخراطها في حلف دولي بعنوان مكافحة التمدد «الداعشي» أم يلتزمون «النأي بالنفس»؟ ماذا عن مستقبل علاقتهم بنظام سوري راهنوا، ومن دون احتساب خط الرجعة، على انهياره؟ هل يلعبون على وتر المفاوضات السعودية ــ الإيرانية فيحلون عقدة خصومة تاريخية مع «حزب الله»، أم يتسمّرون في مكانهم في انتظار أن تأتيهم «التعليمة»؟

بنى «المستقبل» خطابه التعبوي منذ آذار 2011 على فكرة الرهان على سقوط بشار الأسد وعدم اعطاء أية مشروعية لمشاركة «حزب الله» في الحرب السورية، ولكن الوقائع تجعل بعض الشرائح المنخرطة في هذا التيار تطرح أسئلة ومقاربات جديدة.

يقول قيادي مسيحي «مستقبلي» يشارك في جولات شمالية دائمة للأمانة العامة، انه دهش في احدى المرات من طبيعة النقاش الذي أجراه كوادر وأعضاء في «التيار» في أحد أقضية الشمال «فلقد بدا خطابهم أقرب الى «داعش» و«النصرة»، ولم أستوعب ما كنت أسمعه. شعرت نفسي غريبا وسألت نفسي مرارا عما أفعله هنا وما يمكن أن يؤول اليه وضع بنية أراد لها رفيق الحريري شيئا وها هي تذهب الى مطارح أخرى لا تمت بصلة للاعتدال والانفتاح».

صارت «داعش» لاعباً مؤثراً في المنطقة كلها، لتتحكّم بالخطّ البياني لأمنها. وبهذا المعنى، تواجه «القيادة الزرقاء» معضلة حقيقية. لم تعد مشاركة «حزب الله» في اقتحام البؤر الإرهابية في سوريا، شرّاً مطلقاً، لا بل صارت واجباً دولياً يثنى عليه في الغرف المغلقة.

وفي الوقت نفسه، ليس بمقدور «تيار المستقبل» مواجهة هذا الواقع المرّ، وليس بإمكانه حتى الاعتراف به بينه وبين نفسه، برغم أن مشاركة الحكومة بشخص وزير خارجيتها في اجتماع جدة التأسيسي لـ«التحالف» قد شكلت إقرارا ضمنيا بسقوط «النأي بالنفس» والانخراط في «المعركة الكبرى» التي كان «حزب الله» سباقا في الذهاب اليها.

من هنا، لم يعد مستغرباً أن تسمع جان أوغاسبيان المحال إلى التقاعد النيابي، بعدما قرر نقل ترشيحه من الدائرة الأولى المضمونة في بيروت إلى الثانية المستحيلة، وهو يدعو إلى إعادة إحياء طاولة الحوار «وتقييم وتصويب الأداء السياسي في ظل الخطر الأمني الكبير الذي يلفّ لبنان من أجل خلاص البلد لأن «حزب الله» يمثل شريحة كبيرة في لبنان وله دور في السلام كما في الحرب».

ينفض النائب البيروتي يديه من الدعوة إلى حوار ثنائي مع الضاحية الجنوبية كما يغسلهما من أي دور منبريّ مكلف به من جانب قيادة «المستقبل» لتوجيه رسائل الغزل تجاه «المقاومة»، ويشدد على أنّ موقفه هذا ينبع من قراءته الخاصة ومن هامش يجيز له قول ما يفكر به بصوت عال وبلا أية احراجات.

الرجل يكاد يكون نسخة طبق الأصل عن مسيحيين منتمين الى «تيار المستقبل» باتوا غارقين في دوامة البحث عن هوية لهم تبقيهم على قيد الحياة.

هؤلاء ليسوا بأمان، وهم يدركون ذلك. «حكيم معراب» يقترب رويداً رويداً من طبقهم، ويريد التهامه بالكامل. جان اوغاسبيان، سيرج طورسركيسيان، باسم الشاب، عاطف مجدلاني، هادي حبيش، وحتى فريد مكاري قد لا يسلمون من سكاكين «القوات». عين «القوات» على «المقاعد ـ الفراطة» التي يبعثرها «قانون الستين» بين الدوائر المختلطة التي يكون فيها لـ«التيار الأزرق» الكلمة الفصل.

ومع ذلك، للخطاب الانفتاحي رواده داخل «المستقبل». هناك من ينادي به على «رأس السطح»، إيماناً منه بأنّ اللحظة مؤاتية للاستفادة من مناخ التقارب السعودي ــ الإيراني وترجمته لبنانياً ببعض التفاهمات ولو الموضعية.

داخل هذا الفريق، ثمة رأيان واضحان يعبران عن طرحين مختلفين: الأول يقول إنّ الجلوس وجهاً لوجه مع «حزب الله» شرّ لا بدّ منه، ولا يمكن الهروب منه، بدليل «المساكنة الحكومية» في أحضان تمام سلام.

باختصار، يعتقد هؤلاء أن لا مبرر لانتظار «أمر ملكي» يعيد إنعاش قنوات التواصل بين الفريقين، ومن الضروري التقاط اللحظة المناسبة لتدوير الزوايا ونسف الحواجز الخلافية، تمهيداً لأي تقارب إقليمي قد يأتي من خارج الحدود ويقلب المشهد اللبناني رأساً على عقب… أو أقله من باب تحصين الساحة الداخلية في زمن البراكين المشتعلة، من خلال نسج شبكة أمان توافقية لا تستثني أحداً.

في المقابل، هناك من يخشى الإقدام على أي خطوة تجاه «حزب الله» خوفاً من تقديم مزيد من التنازلات من دون أن يتمكن من تحقيق أي مكسب، هو بأمس الحاجة إليه للترويج به أمام جمهوره.

وبين هذا وذاك، تستمر الألسن معقودة، ويكبر منسوب التردد والارتباك، ليأتي كلام سعود الفيصل الحاد ضد النظام السوري بالأمس، وكأننا ما زلنا في آذار 2011… أي أن الأمور مرشحة للتأزم اقليميا، من دون أن يغادر لبنان معادلة «ستاتيكو» الاستقرار الرجراج.