IMLebanon

تدفيع المسيحيين ثمَن حرب إنقاذ الأسد؟

ليس نفي الكنيسة الكلام المنسوب إلى البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي سوى نموذج عن تضليل مكشوف اعتمدته قوى «8 آذار» لتغطية قتال «حزب الله» في سوريا ونتائجه الكارثية على لبنان، هذا القتال الذي حذّر من عواقبه كثيرون، باعتباره سيورّط لبنان في الحرب السورية، وسيشرّع أبوابه على كلّ الأخطار.

يبدو «حزب الله» في موقع مَن يُريد جرّ المسيحيين الى تأييد قتاله في سوريا وتبريره، تحت عنوان الحرب الوقائية في وجه «داعش» و«النصرة»، ومنع هؤلاء من الوصول الى جونية. وقد جاء نفي الكنيسة ليفرمل قليلاً من هذه الحملة، ومن البروباغندا المرافِقة لها، التي لا تستند الى أيّ منطق أو عقل.

فباستعراض الاسباب والنتائج، يمكن بكل رويّة الاستنتاج أنّ قتال «حزب الله» في سوريا، هو الذي أتى بـ«النصرة» و»داعش» الى الحدود التي أزالها الحزب عملياً عندما ذهب للقتال في سوريا، خلافاً لإجماع لبناني، وخلافاً لبيئته الحاضنة التي جاهرت قبل معركة القُصير، بمعارضتها أيّ مشاركة للحزب في هذه الحرب، لتعود فيما بعد وتصطفّ خلف معادلة الحرب الوقائية المزيّفة التي هي الوجه الآخر لحقيقة أنّ «حزب الله» دخل الى سوريا بطلبٍ من إيران لإنقاذ نظام الاسد من السقوط، وهذا ما قاله السيد حسن نصرالله لنائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف.

على ما يبدو، يحتاج «حزب الله» للغطاء المسيحي الذي لا يمكن تحقيقه إلّا ببثّ الخوف، الذي يليه تظهير صورة الحزب كحامٍ للمسيحيين، في وجه الارهاب. لهذا وزّع الحزب السلاح على بعض القرى المسيحية في البقاع وجزين، كما ظهّر عبر وسائل إعلامه صورته كمدافع عن الحدود اللبنانية، في حين إنّ الوقائع تنسف هذا الأمر كلياً.

فقوّات الحزب تقاتل في الشام ودرعا وحلب والقلمون، وهذا دليلٌ على أنّ الدخول الى سوريا الذي سبق بكثير أحداث عرسال وبريتال، حصل لتحقيق أهداف تعزيز نفوذ إيران في سوريا والمنطقة.

في استعراض الوضع الميداني، يمكن القول إنّ معركة القلمون، ساهمت بإفراغ المدن والقرى السورية من سكانها حيث نزح هؤلاء الى لبنان، وتحوّل شبابهم مقاتلين مسلّحين في عرسال ومخيّماتها، وهذا ما كان ليحصل لو بقوا في أرضهم، وما كان ليتوجّه هؤلاء المسلّحون الى الأراضي اللبنانية، في حين هم مشغولون بقتال النظام السوري.

هذا النموذج الذي قدَّمه «حزب الله» عن حرب وقائية مزعومة، لم يكن ليحصل في دولة كالأردن أو تركيا اللتين تعاملتا مع حدودهما مع سوريا، كما يفترض بأيّ دولة تمارس سيادتها على أرضها.

المعلومات الميدانية من القلمون تفيد عن استعداد لفتح معركة الشتاء، حيث يسعى المسلّحون الى انتزاع قرى ومدن خسروها، نظراً لحاجتهم الى المأوى وقواعد الانطلاقة في فصل قارس البرودة، وفي جغرافيا صعبة.

إزاء هذا الواقع الجديد الذي أنتجته معركة بريتال، تُطرح أسئلة كثيرة عن قدرة لبنان على تحمّل نتائج قتال «حزب الله» في سوريا، خصوصاً على صعيد الحكومة التي لم يُطرح على جدول أعمالها حتى اليوم خروج الحزب من سوريا، وضبط الحدود، ونشر الجيش والاستعانة بالقرار 1701 لمساعدة لبنان على الوقاية الفعلية من الحرب الدائرة في سوريا.

لم يطرح الرئيس تمام سلام هذه المواضيع الأساسية، ولم يقم وزراء «14 آذار» بعمل جماعي من داخل مجلس الوزراء، لطرح ضبط الحدود والانسحاب من سوريا، بل اكتفى عدد منهم بإعلان مواقف فردية في هذا الخصوص لا تكفي لتكون عنواناً لمواجهة المرحلة الصعبة المقبلة.

يسود شعور بأنّ مجرّد طرح «14 آذار» لهذه القضايا سيفجّر الحكومة من داخلها، أو أقله تعطيل اجتماعاتها، لأنّ حزب الله سيرفض البحث من الأساس بانسحابه من سوريا، تماماً كما رفض الاستعانة بالقرار 1701 لضبط الحدود، وعليه فإنّ الحفاظ على الحكومة كآخر صمام أمان سياسي، سيكون على وقع سيناريو تفجير متنقّل، قد لا يبقى مسرحه البقاع او المناطق المحاذية للحدود اللبنانية – السورية.