IMLebanon

المسيحيون يرفضون إحتكارَ الأحزاب… والمتنيّون يُبايعون المرّ

كما أنّ صناديق المخترة دليلٌ ملموس أوّلي لنتيجة فرز الصناديق البلدية، كذلك الانتخابات البلدية دليلٌ حسّي لتوجّهات المواطنين في الانتخابات النيابية إن حصلت وفق الدوائر الانتخابية والتحالفات نفسها، خصوصاً في أقضية محافظة جبل لبنان حيث الدوائر البلدية صغرى على عكس دائرة بيروت الواحدة. فيكون التصويت واضحاً ومباشراً، حيث يقترع أبناء كلّ بلدة لمَن يمثّلهم ويلبّي طموحاتهم ونظرتهم لصورة منطقتهم.

أمّا عندما تتماهى هذه الإرادة المواطنية المحلية بين أكثر من منطقة لتتوحّد على صعيد قضاءٍ بأكمله، فذلك يعني أنّ النتيجة هي مبايعة لهذا التوجّه. وكيف إذا كانت هذه النتيجة في قضاء المتن، القضاء الأكبر في جبل لبنان والأكثر تنوّعاً وتعدّداً من حيث الأحزاب والفعاليات.

شعبيّة المر من الساحل إلى الجبل

بعد التسونامي الإعلامي الكلامي لعدد من الأحزاب في المتن، أظهرت نتائج المعركة الانتخابية البلدية أنّ شعبية نائب رئيس مجلس الوزراء السابق النائب ميشال المرّ كانت التسونامي الفعلي الحقيقي.

وحتى خصومه رفعوا القبعة له مساءَ الأحد ليس فقط على هذا النجاح الانتخابي، الذي بدأ بالبلديات التي فازت بالتزكية واستُكمِل بنتيجة المعارك، وسيُتوَّج برئاسة الاتحاد، بل أيضاً لبصيرة ودهاء الرجل الذي أبهر الإعلاميين الذين تواجدوا بكثافة في «العمارة» كي يتابعوا النتائج دقيقة بدقيقة متيقّنين أنّ العمارة هي المرجع الصالح للحصول على النتائج نظراً لدقة ماكينة المر الانتخابية.

وأكثر ما أبهرَ الصحافيين والمتابعين أنّ المر أعلن النتائج في وقتٍ مبكر قبل إغلاق صناديق الاقتراع، وأتت النتائج مطابقة تماماً لما أورده وبالأرقام.

من الساحل إلى الجبل امتدّ تسونامي المرّ، وعلى سبيل المثال في أنطلياس – النقاش التي اعتُبرت أمّ المعارك الانتخابية، واجهت لائحة إيلي فرحات أبو جوده المدعوم من المرّ أحزابَ «التيار الوطني الحر»، «القوات اللبنانية» و»الكتائب» مجتمعة، إلّا أنّ المرّ سجّلَ انتصاراً على الأحزاب الثلاثة.

أما في جل الديب ففازت لائحة «لغدٍ أفضل» برئاسة ريمون يوسف عطية المدعومة من الرئيس ميشال المر والكتائب في مواجهة لائحة «كلنا سوا» برئاسة أندريه زرد، المدعومة من «التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية» والحزب السوري القومي الاجتماعي.

وفي سن الفيل فازت لائحة «سن الفيل نحو الأفضل» برئاسة رئيس البلدية الحالي نبيل كحالة المدعوم من المرّ وحزب الكتائب اللبنانية، بفارق كبير على لائحة «سن الفيل بتجمعنا» برئاسة جوزف شاوول، المدعومة من «التيار الوطني الحرّ» و»القوّات اللبنانية».

فتعدّدت وتنوّعت التحالفات في كلّ بلدية في المتن، إلّا أنّ الغلبة كانت للرئيس ميشال المرّ، من خلال أصوات أبناء المتن الذين رفضوا احتكارَ الأحزاب منفردةً كانت أو مجتمعةً.

نتائج الانتخابات

بعد هذه النتائج للانتخابات يجدر التوقف عند نقاطٍ عدّة، لقد أسقطت المعركة البلدية أوراقاً وحججاً كثيرة، ويجدر طرح التساؤلات التالية:

هل ما زالت معادلة الرئيس القوي قائمة؟ وهم أنفسهم الذين حدّدوا أنّ قوة رئيس الجمهورية تنحصر بمدى شعبيته، سقطوا اليوم في أهم المدن والبلدات في محافظة جبل لبنان حيث الثقل المسيحي، وفي معظم المناطق التي حقّقوا ربحاً فيها تحالفوا مع القوى المحلية القائمة داخل هذه المنطقة؟

هل فعلاً تحالف حزبين مسيحيّين أو أكثر من دون تحقيق أيّ مكاسب ملموسة للمسيحيين هو مطلب مسيحي؟ ولقد خسر هذا التحالف في أكبر البلديات المسيحية أو كسب بـ»شقّ الأنفس»؟

وفي التوازي كيف وأين تُرجِم هذا التحالف؟ على صعيد الاستراتيجية السياسية العامة «لا تفاهم»، وكلّ حزبٍ لديه تحالفاته الخاصة. ولم يُثمر التحالف انتخاب رئيس للجمهورية. كما كان تحالفاً «عالقطعة» و»بالمفرّق». إذاً هل هو من أجل المسيحيين أو من أجل مصالح المتحالفين؟

إذاً وفق حسابات الأرقام التي تعتمدها هذه الأحزاب، هل يمكن اعتبار أنّ القوى المحلّية التي غلبتها هي الأقوى؟ وهي ممثلة المسيحيين «الشرعية»؟

لا احتكار للمسيحيين

لكلّ نتائج أسبابها، ولاختيار المسيحيين، المتنيّون منهم بالتحديد السير عكس «تيار» الأحزاب أسباب.

فلطالما تميّز المسيحيون في لبنان بالتعدّدية السياسية، هذه التعدّدية غير المتبدّلة منذ تأسيس دولة لبنان الكبير بالحدّ الأدنى. تعدّدية يصفها البعض أحياناً بالشرخ أو الانقسام أو غيرها من التعابير الدالة على الاختلاف. إلّا أنها مهما وُصِفت تبقى دلالتها الأساسية، أنّ المسيحيين غير قابلين لأن يتقوقعوا ويتجمّعوا داخل بوتقة واحدة حزبية أو سياسية.

فحتى خلال الحرب اللبنانية، وفي ظلّ أوج التجييش الطائفي والخطر الوجودي على المسيحيين، ومواجهة الفلسطينيين تارةً أو السوريين تارة أخرى، تعدّدت الأحزاب وحتى الميليشيات المسيحية، كما الفعاليات والأحزاب التي لم تشارك بالحرب. فانضوى بعض المسيحيين في الميليشيات أو في الأحزاب المقاومة، واختار البعض الآخر تأييدَ مَن لم ينغمس في لوثة الحرب، وبقي القسم الأكبر صامتاً غير منتمٍ لأيٍّ منها.

ومن ميزات المسيحي، أنه يُعرف بـ»حبه للحياة»، بالمعنى المحلّي العامي للكلمة، أي لا يمكنه العيش في ظلّ أوضاع اقتصادية اجتماعية متردّية، ويحب العيش برفاهية. لذلك لم تنجح محاولات إعادة المهجّرين إلى قراهم بشكلٍ كامل، من دون تأمين متطلبات العيش الأساسية لهم في ضيعهم.

وعبّر عن ذلك أحد رجال الدين المسيحيين البارزين، والذي كان له دور مهمّ على صعيد الوطن لسنين طويلة، قائلاً «سبب عدم عودة المسيحي إلى قريته في الجبل ليس عدم تأقلمه مع الدروز، بل بالعكس لم يعد هذا العامل سلبياً كما قبل، إنما المسيحي لا يمكنه العيش في منطقة لا مشفى قريباً منها أو مدرسة أو جامعة، وطرقاتها «زفت» من دون زفت».

كما لهذا السبب يفضّل المسيحي الهجرة والمخاطرة بحياته والعمل في دولٍ تشهد عنفاً أو أمراضاً أو حروباً، على البقاء في لبنان والعمل مقابل أجرٍ متدنٍّ.

وبالتالي هذان العاملان، أي التعدّدية والإنماء المحلّي يبقيان الأساس عند المسيحي، وأثبتت نتائج الانتخابات البلدية في جبل لبنان أنّ هذين العاملين كانا الأبرز وتفوّقا على بروبغندا «الاستراتيجيات الكبرى».

فلم يعد للشعارات العقائدية من تأثيرٍ كبير على المواطن، الذي تمّ إغراقه في وحول هذه الفقاعات، كما في جور الطرقات، والروتين الإداري، والمحاصصات المعرقلة… فأصبح لبنان من دون رئيس، لا تُسيّر أموره في ظلّ شلل المجلس النيابي وفرملة العمل الحكومي.

الإنماء أوّلاً

وأظهرت نسبة الانتخابات في جبل لبنان التي بلغت 56 في المئة، وفي قضاء المتن 58,24 في المئة أنّ المواطن متمسّك بآخر سلطة فاعلة في لبنان، التي هي السلطة المحلّية أو المجلس البلدي. فقرّر المواطن أن يصوّت لمَن لا يستغلّ صوته لتجميع «قوة» لم تُصرف لا على الصعيد الرئاسي ولا حتى على صعيد موظّف في إدارات الدولة.

صوّت ابن جبل لبنان وابن المتن تحديداً، لمَن يحافظ على مناطقه من النواحي الإنمائية كافةً. فالنتيجة التسونامية التي حصدها رجل واحد ألا وهو نائب رئيس مجلس الوزراء السابق النائب ميشال المرّ في المتن في مواجهة تحالف أكبر الأحزاب المسيحية، تدلّ على أنه عندما يكون صوتُ المسيحي هو الأساس والمؤثّر، فإنه يمارس حقّه الديمقراطي بوعيٍٍ من دون الانجذاب إلى الطروحات الكبيرة.

ويختار مَن «جرّبه»، ومَن لمس نتائج عمله أكثر من مرّة، فلا يخفى على أحد أنّ قضاء المتن من شاطئه إلى جبله يتميّز بالإنماء، ومجالسه البلدية هي من الأنجح على صعيد كلّ لبنان. وربما ذلك يبرّر أنّ المتني تكمّش بمَن قدّم له الخدمات والإنماء، وجدّد الثقة به، ولم يرضَ بالتغيير نحو المجهول، خصوصاً أنّ «التغيير» على الصعيد السياسي والنيابي فشل في أكثر من منطقة.