IMLebanon

حذار توريط الكنيسة

 

لا تؤشّر المبادرات الكنسية الجوّالة، التي نظّمتها وتنظّمها الكنيسة، إلى وجود نية بوضع الإصبع على الجرح. فبعد التحليق عالياً في سماء المطالبة بتنفيذ القرارات الدولية، والمطالبة بسيادة الدولة، تغوص بكركي في ملف الانتخابات الرئاسية من زاوية ضيقة، تعيد الكنيسة إلى المربع الأول، وتغرقها في لعبة الأسماء والمحاور، وتورّطها بتبني نظرية الابن الضال الذي وجد، أي جبران باسيل.

 

يندفع البطريرك الماروني بشارة الراعي بمبادرته، من دون الأخذ بالاعتبار ما حصل في كل المرحلة الماضية، ويغامر باستعمال أدوات قديمة، استعملت عند تتويجه بطريركاً وأثبتت عقماً، وفتحت الباب لاستثمار سياسي استغل موقع الكنيسة وضرب هيبتها.

 

في الطرح البطريركي الجديد، مجموعة من اقتراحات الحلول التي تنطلق جميعها من افتراض خاطئ، بأنّ صورة الحوار والاجتماع في بكركي، ستؤدي إلى خلق مناخ مسيحي جامع، يفرض انتخاب الرئيس. هذا الطرح فيه الكثير من التفاؤل، لكن من أقنعوا بكركي به إنما يريدون العود على بدء، يريدون لقاء رباعياً يجمع سامي الجميل، سمير جعجع، جبران باسيل وسليمان فرنجية.

 

ورد هذا الطرح في الجولة الكنسية، ولا يُعتقد أنه سيلاقي النجاح، لأنّ تجريب المجرّب أصبحت نتيجته معروفة سلفاً، ولأنّ المشهد وصورة الأربعة في بكركي، سيكونان سلبيّين وكئيبين وخشبيّين، بفعل تكرار هذه اللقاءات، التي لا ينتج عنها إلا الصورة الاستعراضية.

 

الطرح الآخر الذي حملته الزيارات الكنسية، تمثل بفكرة لقاء الـ64 نائباً مسيحياً، وهي فكرة لها بعدها الاستعراضي أيضاً، البعيد عن أي مسعى جدي للخروج من أزمة الفراغ الرئاسي. فالطريق إلى الخروج من هذه الأزمة يتمثل في الاتفاق على اسم واحد يكون عنواناً للتوافق، وإلا يكون لقاء الـ64 وسلّة الأسماء المقترحة، مجرد وسيلة لتعويم من يحتاجون إلى التعويم، وهذا آخر ما يطلبه المسيحيون في لبنان.

 

في الطروحات الكنسية ما يوحي ببعض الأفكار التي تسللت إلى أروقة بكركي. فالطرح المتمثل بضرورة اللقاء والمصالحة بين «التيار العوني» و»القوات اللبنانية» على وجه التحديد، يفتقد للواقعية وينطلق من اعتبار أنّ الخلاف شخصي، وهو ليس كذلك. فالخلاف بعد وثيقة التفاهم وعهد ميشال عون سياسي ومبدئي، ويخطئ من يظنّ أن رئيس «التيار» جبران باسيل خرج من «حزب الله» وعاد حسب أدبيات الكنيسة، عودة الابن الشاطر، اذ إنّ خلافه مع «حزب الله» مصلحي، والعلاقة ستعود لطبيعتها فور تأمين المصالح المتبادلة، ولذا لا يمكن التعويل من قبل أي كان وخصوصاً الكنيسة، على صفاء النوايا المزيف، الذي سينتج خيبات أمل مضاعفة.

 

في الطروحات الكنسية أيضاً ما يوحي باستسهال تسليم رأس الجمهورية، لمن يمثّل خيار الاستمرار بسيطرة «حزب الله» على هذا الموقع. هذا الاستسهال يتم خلف يافطات عفّى عليها زمن الانهيار، منها يافطة «أبناء البيوت المارونية»، في استنساخ لمرحلة مضت لم يعد يفترض تكرارها.

 

المطلوب اليوم من الكنيسة أن تضع اصبعها على الجرح، وأن لا تذهب إلى زواريب الأسماء التي لن تكون مقبولة لأنّها التعبير عن التمديد للأزمة التي لم تعد تحتمل التمديد.