IMLebanon

«رفيق بوتين» في بيروت: مكافحة الإرهاب أولويّتنا

ما كادت حكومة بشار الأسد تغرق في مستنقع الإرهاب حتى مدّ صاحب الوجه القيصري فلاديمير بوتين يده لآخر نظام عربي تتمركز فيه قواعد جوية وبحرية لروسيا الإتحادية.

سريعاً تدَحرج الدعم الروسي العسكري المباشر في الحرب السورية، لتتدحرج معه رؤوس الإرهاب ذي القيادات المتعدّدة الجنسية، وبينهم واحد من دول الاتحاد السوفياتي السابق ومن حاملي الجنسية الروسية، الذين تقدّر أعدادهم وفق مصادر روسية بـ7000 إرهابي من الناطقين باللغة الروسية.

لم تبخل القيادة الروسية على مراكز ومنشآت المجموعات الإرهابية بقصفها بمختلف أنواع الذخائر من قاذفات طائرات «السوخوي»، الى الصواريخ القريبة التي زُوِّد بها الجيش السوري، الى الصواريخ المتوسّطة المدى المرسلة من خلف الحدود عبر بحر قزوين.

هو تدخّل عسكري مباشر جاء في أساسه لتزخيم الحلّ السياسي، يحمل أجندة تكاد تكتمل ملامحها من الحكومة الموسّعة مطلع الصيف المقبل الى تعديلات دستورية قيد النقاش في لجان «العصف الفكري» التي يُشرف عليها المبعوث الدولي ستيفان دو ميستورا، والتي تنتظر بلورتها بصيغة تعرض على الإستفتاء الشعبي.

وليس بعيداً من سوريا، أدرَك الجانب الروسي أهميّة دور دول الجوار ومنها لبنان في الحرب السورية وتأثيره العسكري والسياسي في مسار الحرب والحلّ السياسي المرجو. فوُضع لبنان تحت المجهر الروسي من ثلاث زوايا:

أولى تتمثّل في الحدود شمالاً وشرقاً، فالمجموعات الإرهابية من «داعش» الى «النصرة» ومتفرّعات «القاعدة» هي عينها المنتشرة عند الجرود اللبنانية المتداخلة مع الأراضي السورية. ولا قضاء على الإرهاب في العمق السوري من دون إغلاق الحدود مع دول الجوار منعاً لتهريب السلاح والمقاتلين.

الزاوية الثانية لا تقل أهميّة عن ضبط تهريب السلاح والعناصر عبر الحدود، وتتمثّل في عملية تجفيف تمويل المسلحين التي شكلت بيروت أحد شرايينها والتي اتخذ مجلس الامن بالإجماع قراراً بقطعها بناءً على إقتراحٍ من مندوب روسيا في مجلس الأمن حمل الرقم 2199 وبموافقة ومباركة اميركية.

أما الزاوية الثالثة والتي تشكل بعداً لبنانياً للحرب السورية، فتتجسّد في المليون ونصف المليون نازح سوري الى لبنان باعتبار هذا الملف أحد عناوين الحلّ السياسي والذي أسهم بتداعياته في التدخل العسكري المباشر.

وعن أهمية لبنان لدى الكرملين، يكشف مصدر ديبلوماسي عربي بارز في موسكو أنه «وفي بداية التدخّل العسكري طُرحت فكرة إنشاء غرفة العمليات العسكرية المعنية بالتنسيق بين الجانب الروسي والاميركي في الحرب السورية في العاصمة بيروت، قبل أن يُقرّر افتتاحها في بغداد».

وعليه، بدأ الإهتمام الروسي في الشأن اللبناني يتزخّم مع بداية التدخل العسكري الروسي المباشر في الحرب السورية، في حين أنّ الحضور الروسي قبل التدخل العسكري في سوريا انحصَر بـ«الحياد الايجابي» بالنسبة إلى الاستحقاقات اللبنانية ومنها الرئاسية على رغم اللقاءات العلنية التي كان يعقدها سفير روسيا الاتحادية في لبنان الكسندر زاسيبكين مع بعض المرشحين وخصوصاً من «نادي الأقوياء» وما كان يُنقل على لسانه من ميل لمرشح على آخر.

فضلاً عن لقاءات عُقدت بعيداً من الإعلام لمبعوث الرئيس الروسي لشؤون الشرق الاوسط ميخائيل بوغدانوف مع بعض المرشحين من خارج نادي «رباعي بكركي»، لكنّها كلّها لم تكن لتشكل أولوية لدى الإدارة الروسية، ولم ترقَ الى حدّ التدخل لدى اصدقاء روسيا سواءٌ في العالم الإسلامي أو العربي دعماً لمرشّحٍ دون سواه.

وفي إشارة لأهمية لبنان المستجدة على الخريطة الروسية، حطّت في العاصمة بيروت طائرة خاصة تُقلّ «أنتولي بيتروفيتش إيسايكن» المدير العام للهيئة الروسية الفدرالية للتصدير الحربي، والتي تضمّ إضافة الى هيئة التصدير، هيئات التصنيع الحربي، والهيئة التنفيذية لتطبيق الإتفاقات التسليحية مع الدول الخارجية.

ومن مفارقات زيارة إيسايكن، رفيق سلاح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومحط ثقته، أنها زيارة نادرة لمسؤول روسي على رأس وفد بهذا المستوى الى لبنان، ليست عبوراً الى العاصمة دمشق كما حصل مع نظرائه من مسؤولين، بل هو جاء قاصداً الجمهورية اللبنانية وبجدول أعمال على مدار 48 ساعة التقى خلالها كلّاً من الرئيسين نبيه برّي وتمام سلام، ووزيري الدفاع سمير مقبل والمال علي حسن خليل، فضلاً عن قائد الجيش العماد جان قهوجي والمدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص.

وبعيداً من التصريحات العلنية بعيد الزيارات والتي شكل تصريح الرئيس برّي أبرزها حين وصف لزائره بوتين بـ»لاعب الجودو الماهر» والذي لاقى رواجاً في وسائل الإعلام الروسية الحكومية، إستمع «رفيق بوتين» من مضيفيه المسؤولين اللبنانيين الى جملة من الأمنيات التي ترقى الى «طلبات» تفاوتت بين «حضّ روسيا على الدفع في الإستحقاق الرئاسي اللبناني والضغط حيث يجب لتقصير عمر الشغور الرئاسي في صياغة حلّ سياسي لبناني تزامناً مع الحلّ السياسي السوري»، الى «الطلب من روسيا الاتحادية لعب دور لدى الدول العربية وخصوصاً الخليجية منها لعدم قطع العلاقات مع لبنان قبيل زيارة الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز الى العاصمة موسكو ولقائه الرئيس بوتين».

إلّا أنّ إيسايكن بدا غير مهتم سواءٌ بتفاصيل الإستحقاق الرئاسي أو العلاقات الثنائية بين لبنان والدول العربية التي رأى فيها شأناً بين «أولاد العمومة».

فالضيف الروسي وفي سلم أولويات إدارة بلاده إستحقاق أهمّ وهو «مكافحة الإرهاب» سواءٌ برفع وتيرة التنسيق الأمني بين الجانبين الروسي واللبناني أو عبر تحريك ملف «التسليح» للجيش اللبناني الذي سبق ووقّع مع الجانب الروسي عقوداً بقيمة 37 مليون دولار يُضاف اليها نحو 20 مليون دولار عقوداً مع بقية الاجهزة الامنية.

هذا، فضلاً عن «إتفاقية التعاون والتنسيق بين روسيا الاتحادية ولبنان» والتي تشمل هبات تسليح ستشكّل نقلة نوعية في مجال مكافحة الإرهاب بعد إقرارها في مجلس النواب اللبناني والتي وعد الرئيس برّي ضيفه بأن تحضر على جدول اعمال الجلسة التشريعة المقبلة.

ولم يُخفِ إيسايكن إعجابه بقيادة الجيش اللبناني وشخص العماد قهوجي وإدارته للمعارك مع المجموعات الإرهابية، سواءٌ عسكرياً في الحدود عند الجرود على رغم «بساطة» القدرات والإمكانات العسكرية، أو أمنياً عبر تفكيك الخلايا النائمة.

وعليه، يبدو أنّ مكافحة الإرهاب أولوية روسيا في لبنان فيما تهبط الرئاسة الى أدنى درجات السلم لدى الإدارة التي تتقاسم النفوذ مع غريمتها التقليدية الولايات المتحدة الاميركية بكثير من «السلاسة» على رغم ضجيج الطائرات وضراوة الحرب وكثافة النيران.

قبيل مغادرته بيروت، سلّم الضيف الروسي مقبل دعوة إلى حضور «مؤتمر الأمن الإستراتيجي الدولي» الذي يشارك فيه بوتين شخصياً نهاية شهر نيسان. فيما وجّه دعوة الى خليل لحضور مؤتمر مالي في «بطرسبرغ»، اضافة الى دعوة للقاء نظيره حاكم المصرف المركزي في موسكو.

فهل يستفيد لبنان من لحظة التلاقي بين الإدارتين الأميركية والروسية على الحلّ السياسي للحرب في جارته سوريا؟ وكيف السبيل لقطف ثمار التقاطع الى حدّ التماهي الغربي – الروسي على حماية لبنان من لهيب الجوار؟