IMLebanon

مقارنة الإقتصاد اللبناني بالعُماني تكشف حجم التقصير

في السابق، كانت سلطنة عُمان تتمتع بإقتصاد مُغلق يعتمد بالدرجة الأولى على الزراعة وصيد السمك. وكان هذان القطاعان بدائيين من ناحية وسائل الزرع والصيد وبالتالي كان الناتج المحّلي الإجمالي للسلطنة لا يتجاوز بضعة مليارات من الدولارات الأميركية. لكن الامور تبدلت منذ مطلع السبعينات.

تبلغ مساحة سلطنة عُمان 309500 كم2 وعدد سُكّانها 4.4 مليون نسمة (قريب من عدد سكان لبنان). وتتمتع بإقتصاد قوي مع ناتج محّلي إجمالي بلغ 81.7 مليار دولار أميركي في العام 2015، ما يعني أن الدخل الفردي العُماني يبلغ 24,024 دولارا أميركيا الامر الذي يجعل سلطنة عُمان تحتّل المرتبة 50 على 220 دولة مُصنفة من قبل الـ CIA World Factbook (لبنان في المرتبة 87).

يتوزع الناتج المحلّي الإجمالي لسلطنة عمان على القطاع الزراعي (1.2%)، القطاع الصناعي (65.1%)، وقطاع الخدمات (39.1%). وأهم الصناعات الموجودة في سلطنة عُمان تتمثل بالصناعة النفطية ومصافي النفط والغاز، البناء، الإسمنت، النحاس، الحديد، المواد الكيميائية، والآلياف الضوئية.

تمّ إكتشاف النفط في عُمان في العام 1964، وبدأت الشركة الوطنية للنفط – المملوكة بنسبة 60% من الحكومة – بإستخراج النفط في العام 1967 مع إنتاج أكثر من 366 ألف برميل يومياً لتصل إلى أكثر من 900 ألف برميل في العام 2000.

وإذا كانت عُمان لا تمتلك إحتياطات موازية لإحتياطات الدول المُجاورة (وهذا ما يبرر القدرة الإنتاجية الحالية المحدودة نسبياً)، إلا أن إكتشاف حقول نفط جديدة وحقول غاز أدّى إلى إنعاش الاقتصاد، وزادت مداخيل الدولة من النشاط النفطي حتى بلغت 50% من الناتج المحلّي الإجمالي.

هذا الواقع كانت له حسنات وسيئات، فمن سيئاته أنه لم يسمح بالإستثمار أكثر في القطاع النفطي نظراً إلى محدودية الإحتياط، لكن من جهة أخرى أعفى عُمان من قسم كبير من التداعيات السلبية التي طالت الدول المُنتجة للنفط والتي تعتمد بشكل شبه أحادي على هذا القطاع. وبالتالي، نرى أن قطاع الخدمات أخذ بالتطور حتى أنه أصبح يُشكّل 40% من الناتج المحلّي الإجمالي.

لكن أهمّ ما في الأمر هو العقد الاجتماعي الذي ينصّ على توزيع المداخيل النفطية على الشعب وبالتالي، أصبح هناك ثبات إجتماعي وسياسي يجعل من السلطنة ترتفع في مؤشرات الأماكن المرغوبة إستثمارياً. أضف إلى ذلك السياسة الحيادية التي تعتمدها الدولة والإستراتيجية الاقتصادية الموضوعة من قبل الحكومة، دفعت إلى وضع عدد من التشريعات التي سهّلت الإستثمارات الأجنبية في السلطنة وأتت بنتيجة واعدة.

فالإستراتيجية الاقتصادية للحكومة العُمانية تنصّ على أنه في العام 2020، سيكون الاقتصاد العُماني غير مُتعلق بالنفط مع مُساهمة للنفط لا تتجاوز الـ 9% من الناتج المحلّي الإجمالي. هذا الأمر كانت له تداعيات إيجابية على صعيد الإستثمارات الداخلية للحكومة والتي تجاوزت 31.2 مليار دولار أميركي من العام 2011 إلى العام 2015.

تُحدّد الرؤية الاقتصادية قطاع السياحة، الصحة، الزراعة، وصيد السمك كقطاعات رئيسية في التنويع الاقتصادي. أيضاً أخذت البنى التحتية من مطارات ومرافئ وطرقات وشبكات الصرف الصحي مكانة مُهمة في مشاريع الحكومة العُمانية مُترجمة بذلك النمو الاقتصادي إلى إنماء إجتماعي.

تتضمّن الخطة الاقتصادية أيضاً تطوير قطاع الشركات الصغيرة والمُتوسطة الحجم (أقل من 200 موظف) الذي يُساهم – بحسب الحكومة العُمانية – بالتنوع الاقتصادي وتأمين فرص عمل للشباب العُماني بالدرجة الأولى. ومن الخطوات التي أخذتها الحكومة العُمانية تأمين القروض من خلال المصارف لهذه الشركات بفوائد مُنخفضة وخلق صندوق مُخصّص لدعم الطلاب أصحاب الأفكار.

كل هذا أتى ضمن سياسة نقدية تنصّ على تثبيت الريال العماني مُقابل الدولار الأميركي (1 د.أ = 0.385 ريال عُماني) مما أعطى ضمانة فعلية للإستثمارات الأجنبية.

يبقى القول أن الدين العام الذي لا يُشكّل أكثر من 5% من الناتج المحلّي الإجمالي يُعطي سلطنة عُمان القدرة على تنفيذ مشاريعها الإستثمارية بثقة على الرغم من إنخفاض أسعار النفط والتي خلقت عجزاً في الموازنة بأقل من 0.5% من الناتج المحلّي الإجمالي.

هذا الكلام هو برسم المسؤولين اللبنانيين، لأن النموذج الاقتصادي الذي قدمته السلطات اللبنانية منذ السبعينات حتى اليوم، يُثبت الكم الهائل من التراخي والاهمال. لقد كان لبنان طليعيا، في فترة السبعينات عندما كانت دول أخرى مثل عُمان لا تزال في بداية الطريق تتلمّس دربها نحو تطوير الاقتصاد ومعيشة أهلها. واذا أجرينا المقارنة اليوم بين البلدين سوف نعرف أين كنا وأين أصبحنا في لبنان، والخير لقدام.