IMLebanon

الكونغرس لرصد أموال «حزب الله» وحلفائه

 

إعلان الأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله أمس الأوّل عن توجّهِ حزبه لشنِّ حربٍ على الفساد يُشرف عليها شخصياً، شكّلَ مفاجأةً حتى لأوساطٍ قريبةٍ من الحزب. ومرَدُّ ذلك أنّ الحزب كان يكرّر دائماً أمام مطالبيه بشنّ معركة على الفساد، أنّ أولويته في الداخل هي تأمين أكبر مقدار من الحماية السياسية لمشروعه الخاص بالمقاومة، وتجنّبِ «نكزِ وَكرِ دبابير» منظومة الفساد السياسية القوية في البلد، خوفاً من أن تنقلبَ عليه بحجّة رفضِ سلاحِه.

وعليه، فإنّ إعلان نصرالله لمشروع مكافحة الفساد عنواناً سيتبنّاه الحزب في المرحلة المقبلة، طرَح سؤالين: هل قرّر الحزب فعلاً التخلّي عن أولوية أنّ ما يهمّه داخلياً هو حصرياً ترميم أكبرِ تأييدٍ سياسي لبناني للموقف من المقاومة؟

وهل فعلاً يتّجه نصرالله خلال المرحلة المقبلة إلى التموضع سياسياً في الداخل وفقَ معيار تصنيفٍ جديد لخصومه وحلفائه، وهو موقفُهما من مشروعَيه بخصوص المقاومة والفساد، وليس فقط من مشروع المقاومة؟.

تضع بيئات وثيقة الصِلة بالحزب، إطلاقَ نصرالله لمشروع مكافحة الفساد، ضِمن حقيقتين مستجدّتين، وكلتاهما توضحان ـ من وجهة نظرها- لماذا «حزب الله» أصبح في حاجة إلى «صورة داخلية ودولية» تُظهره أنّه يقود مسار مكافحة الفساد في لبنان:

الحقيقة الأولى خارجية وتتّصل بمعلومات لدى الحزب بوجود توجُّه أميركي حاسم لدفعِ الكونغرس إلى إقرار سلسلةِ عقوبات جديدة عليه، تُركّز ليس فقط على أنه منظمة إرهابية، بل منظمة ترتكب جرائمَ الفساد والإتجار بالمخدّرات، وذلك بغية جعلِ صورته القانونية دولياً محلَّ ملاحقة، ليس فقط أميركياً، بل أوروبياً وعربياً.

وفي معلومات لـ«الجمهورية» أنه تمّ مطلعَ الشهر الجاري تقديمُ مشروع قانون للكونغرس يطلب تسمية «حزب الله «منظمة إجرامية عابرة للحدود». صحيح أنّ القوانين السابقة للكونغرس ربَطت الحزب بالإتجار بالمخدّرات وتبييض الأموال، الخ.. لكن ما يميّز اقتراح القانون الجديد هو أنه يسمّيه «منظّمة إجرامية عابرة للحدود»، أي معَولمة.

حتى الآن لا يزال القانون قيد المراحل الأولى مِن تسويقه في الكونغرس، لكنّ دلالاته الخطرة تكمن في أنه يشكّل بداية مسارٍ أميركي شرِس ضدّ الحزب يَهدف الى محاصرته خارجياً وأيضاً داخلياً، وذلك تحت وطأة اتّهامه بالجريمة والفساد. ويتبدّى هذا الأمر واضحاً اكثر من أنّ اقتراح القانون الجديد يتضمّن بنداً يطالب الأجهزة الاميركية المعنية بالتحرّك لرصدِ كلِّ أصولِ أموال الحزب وحلفائه السياسيين في لبنان داخل أميركا، وذلك مقدّمةً لتجميدها.

وأخطر ما في هذا القانون أنّه يريد وضعَ صورةِ الحزب داخل إطار أنه «منظمة للجريمة والفساد» داخل لبنان وخارجه، والتعامل بهذا المعيار نفسه في مرحلة أولى مع أصول أموال حلفائه السياسيين اللبنانيين الموجودة داخل الولايات المتحدة الاميركية، ومن ثمّ إرغام الدول الأخرى على فِعل الشئ نفسِه.

وضِمن هذا المستجدّ الأوّل يصبح «حزب الله» معنياً بإظهار صورةٍ داخلية له مناقضةٍ للهدف الدعائي الاميركي الاساسي، وذلك عبر التأكيد أنّه (أي الحزب) يقود مسارَ مكافحة الفساد في لبنان.

الحقيقة الثانية داخلية، وتتّصل بالخلاصات المهمّة التي وصَلت للحزب وللسيّد نصرالله شخصياً، نتيجة موقفِ الاعتراض الاجتماعي والانتخابي الذي أفرزته، في مناسبة الانتخابات النيابية، القاعدة الاجتماعية لـ»حزب الله»، وخصوصاً في دائرة بعلبك ـ الهرمل المتّصفة بأنّها القاعدة الأكثر تضَرّراً من نتائج الفساد الممارَس رسمياً واجتماعياً.

وتتضمّن هذه الخلاصة فكرةً بسيطة، لكنّها تُعبّر عن جوهر المشكلة الحسّاسة والخطرة التي تواجه الحزب، ومفادُها أنّ شرائحَه الاجتماعية لم تعُد تَقبل تبريرَ ممثّليه في مجلس النواب والحكومة الذي يقول لها «إنّنا وبسبب أولوية المقاومة، لا نستطيع وقفَ الفساد في الدولة والذي يطاول معيشتك بأضرار فادحة».

لم يعد هذا التبرير مقنعاً لشرائح العوز الشيعية، وإجابتهم الراهنة عليه أصبحت: «أنه طالما لن تستطيعوا الدفاع عن مصالحنا المعيشية، عبر ضرب الفساد، فلماذا علينا أن ننتخبكم؟».

ويقابل تشدُّد هذه الفئات الشعبية في التعبيرعن أنّ هذا الموقف ليس ضدّ «حزب الله» ولا ضد المقاومة، تشَدُّد آخَر موازٍ يرى أنّ العلاقة بين الحزب وقواعده الاجتماعية باتت تحتاج إلى حوار مباشر مع السيّد نصرالله الذي يمكن لوعدٍ منه بإصلاح هذا الخلل أن يُمثّل ضماناً لاستمرار سلاستها.

وتشِي هذه الدعوة بأنّ قواعد الحزب الاجتماعية تطالب بإنشاء ما يشبه «عقداً اجتماعياً تفاهمياً» جديداً مع المقاومة والحزب، يَضمنه نصرالله شخصياً وتكون أولوياته، ليس فقط مبادلة ولائها السياسي للمقاومة بشرط أنّ الحزب يحميها من إسرائيل والإرهاب، بل أيضاً وإلى جانبه أولوية «مكافحة الفساد» التي يؤمّن مِن خلالها الحزب لها حمايةَ كرامتها المعيشية وتصحيحَ خللِ إجحافِ الدولة في حقّ مطالبها.

ويفسّر هذان المستجدّان الداخلي والخارجي لماذا يُعلن حالياً تبنّي مشروع مكافحة الفساد؟ ولماذا حرصَ نصرالله على إعلانه بنفسه وضمانه شخصياً؟