IMLebanon

الحقّ ينتصر على الباطل

 

 

يُعتَبَرُ القضاء الركن الأساس الذي تقوم عليه تركيبة الدّول المؤسّساتيّة. والقضاء اللبناني هو إحدى السلطات الثلاث التي تحكم لبنان والتي لها الكيان المستقل والتي لا تخضع الا للقانون. فالمادة 20 من الدستور اللبناني تقرّ بوجوب قيام المحاكم القضائية إذ نصّت: “السلطة القضائية تتولّاها المحاكم على اختلاف درجاتها واختصاصاتها ضمن نظام ينصّ عليه القانون ويحفظ بموجبه للقضاة والمتقاضين الضمانات اللازمة. أمّا شروط الضمانة القضائيّة وحدودها فيعيّنها القانون. والقضاة مستقلّون في إجراء وظيفتهم وتصدر القرارات والأحكام من قبل كلّ المحاكم وتنفّذ باسم الشعب اللبناني”.

 

والمجلس الدستوري الذي أُسِّسَ سنة 1990 يسهر على دستورية المراسيم الحكومية، ويفصل في المنازعات التي تنشأ أثناء الانتخابات. والنقطة الايجابيّة في ما حصل بقراره بموضوع البتّ بالطعن المقدّم من قبل التيار الوطني الحرّ حول حقّ المنتشرين بالتصويت لـ 128 نائباً تكمن في رسوخ هيبة القضاء في الأذهان، وفي ما بقي من المؤسسات اللبنانيّة صامداً بوجه غزوة دولة السلاح غير الشرعي ومنظومتها الفاسدة. هذه المنظومة عينها التي اعتقدت أنّ القضاء برمّته صار تحت جناحيها، ولقد ثبت انخراطه بفسادها. فلم يكن لها ما طمحت إليه.

 

وأهميّة ما حصل تثبت أنّ قاضياً واحداً نزيهاً بإمكانه انتشال الدّولة كلّها من الحضيض الذي أوصلته إليه هذه المنظومة المحميّة من المنظمة المصنّفة إرهابيّة في معظم دول العالم. وبما أنّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ينصّ خصوصاً على مبادئ المساواة أمام القانون وافتراض البراءة، والحقّ في محاكمة عادلة وعلنيّة أمام محكمة مختصّة مستقلّة ونزيهة مشكّلة وفقاً للقانون، هذا يعني عمليّاً أنّ لبنان ما زال ملتزماً بسقف الاعلان العالمي لحقوق الإنسان. لذلك لا يجوز بعد اليوم تجاوز هذا السقف. ولا بدّ من تحقيق مبدأ التمتُّع بالحماية من أيِّ تمييز ينتهك هذا الإعلانَ ومن أيِّ تحريض على مثل هذا التمييز، على ما ورد في المادّة السابعة منه. والتمييز الذي نعني به هنا هو ما جعل بعض اللبنانيين، وأعني “حزب الله” ومَن يحالفه ويناصره ويحضنه، فوق القوانين والدستور اللبناني. لذلك، المطلوب اليوم من المجتمع الدّولي أن يتحمّل مسؤوليّته لأنّ الشعب اللبناني برمّته يتعرّض للتمييز على قاعدة مَن هو مع السلاح غير الشرعي وخارج أطر الدّولة، وبين مَن هو مع الدولة ومع السلاح الشرعي. ويجب أن يقرن الأمين العام للأمم المتحدة زيارته مع تطبيق لمندرجات القرارات الدّوليّة التي أصدرتها المنظمة الدّوليّة، لا أن يعمل فقط على تأمين مصالح المجتمع الدّولي في ما يختصّ بتجارة واستخراج الغاز الطبيعي من منطقة شرق المتوسّط. وما يخصّ فعليّاً مصلحة العدوّ الإسرائيلي أوّلاً. لكأنّه يطلب من اللبنانيّين أن يؤمّنوا مصالح عدوّهم، أمّا بالنسبة إلى ما يختصّ بوطنهم فيطبقّ المثل اللبناني: “فخار يكسر بعضو”.

 

لا وألف لا، لقد أثبت اللبنانيّون بأنّ الدنيا ما زالت بألف خير. وان قاضياً واحداً نزيهاً كفيل بأن يقلب الموازين كلّها، وإلا لماذا يعمل دويتّو المنظومة والمنظّمة بكلّ ما أوتي من قوّة وجهد ليقبع المحقّق العدلي كما يقول، وليبطل مادّة في قانون الانتخابات قد تطيح بأكثريّـته كاملة ومن باب المجلس الدّستوري تحديداً. وإن لم يكن ذلك بالقانون فهذا يدفع أيّ مراقب لوضع احتمال استخدام هذا الدويتّو أيّ عمل من خارج السياق المؤسّساتي والقانوني لضرب عمل القضاء والمؤسّسات بهدف إبطالها كليّاً على قاعدة التسويات التي اعتاد عليها. ولنا في تجارب السابع من أيّار خير دليل.

 

لكن على هذا الفريق أن يدرك أنّ اللبنانيّين الأحرار قالوا كلمتهم في خلدة وشويّا وعين الرمانة، وهم مستعدّون لتكرار هذه الكلمة، مع الجيش اللبناني وخلفه، ومع المؤسّسات التي ما خلت من الشرفاء، في كلّ لحظة يفكّر هؤلاء بالانقضاض على ما تبقّى من الدّولة. وبرغم ذلك يبقى الحذر من هذا الفريق كبيراً جدّاً لأنّه قد يقدم على أيّ شيء لئلّا تتكرّر النتائج نفسها التي مُنِيَ بها محوره في العراق. ولا شيء يمنعه مثلاً من افتعال أيّ حدث أمني كبير لضرب هذا المومنتوم الدستوري الذي فرضه النّزهاء والشرفاء والعاقلون في الوطن.

 

لذلك كلّه، نحذّر المجتمع الدّولي من الاكتفاء بتأمين مصالح العدوّ الإسرائيلي فقط، لأنّ انزلاق لبنان إلى القعر يعني تحوّله بوّابة للدخول إلى العالم العربي المستقرّ نسبيّاً، وقد يصبح المنطَلَق للمشروع الفارسي. من هنا، على العالم العربي ترجمة بياناته المشتركة عمليّاً مع المجتمع الدّولي. وتبقى المسؤوليّة الأكبر على اللبنانيّين أنفسهم لأنّه إن لم يقولوا كلمتهم ويثبّتوا أقوالهم بالأفعال فما من قوّة في العالم ستنقذ لبنان. ويبقى السبيل الأنجع والأسلم والأصحّ هو صندوقة الإقتراع التي وحدها ستكون كفيلة مع الضمانات الدوليّة والعربيّة باسترجاع الدّولة اللبنانيّة وتحريرها من الاحتلال الإيراني. وإن لم يحصل ذلك لن ينفع بعدها البكاء وصرير الأسنان. ومَن له أذنان للسماع… فليسمع !