IMLebanon

عنوان المرحلة المقبلة: البقاء للأقوى

 

%70 من اللبنانيين و75% من اللاجئين لا لقاح لهم حتى الآن

متى سيتمّ تدريب الممرّضين؟ وماذا عن السوائل والإبر؟

يفترض رهط غير قليل من الأطباء أنه وبالرغم من حاجة المواطنين الماسّة لتلقي لقاح كورونا، إلا أن لبنان غير جاهز “تقنياً” للقيام بحملة تحصين جماعية بالطريقة العلمية الصحيحة. 80% من المقيمين يجب تحصينهم ضد الوباء، 1.1 مليون لقاح من فايزر، 1.3 مليون لقاح من منصة كوفاكس أي بمجموع 2.4 مليون لقاح، منها 20% للاجئين الفلسطينيين والسوريين، ليبقى 1.9 مليون لقاح للبنانيين أي ما يقارب 34% من الشعب اللبناني فقط! وهذا إذا وصلت الكمية كاملة بغضون 10 أشهر!

 

للمرة الثانية في خلال أيام، تحاول زوبعة دعائية إقتلاع حقيقة أن لا أحد من مدراء المستشفيات والمراكز الطبية يعرف ما الخطة؟ ما العمل؟ وما المسار؟… وفي حين يُتوقع وصول أول دفعة من اللقاح إلى لبنان بحلول شباط المقبل، أسئلة كثيرة لا جواب عليها حتى الساعة والوقت يُهدر. فلنفترض مثلاً وصول لقاحات كورونا غداً فماذا سيحصل؟

 

أرقام مخيفة!

 

تصريحات مرعبة صدرت على لسان رئيس لجنة الصحة النيابية الدكتور عاصم عراجي بعد اجتماع لجنة الصحة النيابية البارحة، إذ قال إن “250 الف لقاح ستكون مؤمّنة في الربع الأول من السنة من شركة فايزر، وفي المرحلة الثانية لغاية حزيران سيصل 350 ألف لقاح، أما في المرحلة الثالثة فسيصل 800 ألف لقاح، وفي الربع الأخير من العام 600 ألف، على أن يصل المجموع مع نهاية العام إلى مليونين و100 ألف لقاح”، ما يؤكد مجدداً أن الكمية غير كافية، فمليون لقاح خلال 10 أشهر تعتبر كمية قليلة جداً ولن نتغلب على الكورونا في لبنان (ولن نحقق مناعة مجتمعية) إذا لم يُفسح في المجال أمام القطاع الخاص لاستيراد اللقاحات. أضف إلى ذلك أن النسبة المحسوبة للنازحين تغطي 30% منهم وهي كمية غير كافية بتاتاً لحماية لبنان وفتح البلاد مجدداً من دون خوف. وفي المحصلة، خلال انتظار 70% من المقيمين، يُرجّح إصابة حوالى المليون ووفاة الآلاف ليتبقى 3 ملايين “محظوظين” لأخذ اللقاح أواخر العام… أي أنه وبالأرقام، على المواطن والمقيم في لبنان أن يتحضر للدخول في مسابقة تشبه “Survivor – الناجون” تحت عنوان “البقاء للأقوى”.

 

هذا وقد صدر عن المكتب الإعلامي للرئيس ميشال عون أنه قد وقع “مرسوم نقل اعتماد بقيمة 26.4 مليار ليرة لمنصة “Covax” لحجز مليونين و730 ألف لقاح كورونا” غير أن ذلك غير دقيق، فالحقيقة أنه قد تم حجز 2.799 (مليونين) جرعة وليس لقاحاً، لأن اللقاح يُحسب جُرعتين، وهناك 20% منها للاجئين أي حوالى 1.2 مليون لقاح من منصة كوفاكس و759 ألفاً من فايزر للبنانيين.

 

وفي ظل وجود فريقين في الوزارة، بين فريق الوزير حمد حسن من المستشارين “الخبراء” الذين يتقاضون رواتبهم بالدولار من جهة، وفريق الوزارة “الرسمي” الذي اعتبر في البيان الأخير الصادر عن مكتبه أن هناك “جديّين يستعين بهم بشكل يومي”، وآخرين غير جديين ارتأى تركهم في مواقعهم ولم يحلهم إلى التفتيش، من جهة أخرى، تضيع البوصلة، وتزدوج الجهود وحتى الساعة يؤكد مصدر مطلع لـ”نداء الوطن” أن “تحضيرات حملة التحصين غير مكتملة وأنه لم تتم دعوتهم حتى للقاء تحضيري يجمع الفريقين للإعداد والتجهيز لتنفيذ الحملة الوطنية الطارئة للتحصين ضد وباء كورونا، والتي من المفترض أن تنفذ فور وصول اللقاح الى عموم المناطق اللبنانية في خلال 3 أسابيع فقط، وهو وقت غير كاف للوصول إلى كافة المستهدفين بعدل ومن دون استنسابية ولا طائفية، كما حدث في السقوف المالية على المستشفيات مثلا”. ويتابع: “أما المصيبة، فإن غالبية الوظائف في الوزارة يشغلها مدراء بالوكالة لعدم وجود الأصيل وأن الوزير يحيط نفسه بمستشارين “من جماعته” بدل الاعتماد على التسلسل الإداري داخل الوزارة”، مؤكداً أن فريق الوزارة ما زال معزولاً حتى عن الخطة الوطنية.

 

وبعيداً من التوزيع المشبوه لمستلزمات تم شراؤها من أموال ترتب أعباء على خزينة الدولة (14 مليون دولار من أموال البنك الدولي)، يشدد المصدر على أن “العملية اللوجستية لإعطاء اللقاح تتطلب تحضيراً وتمويلاً إضافياً كي لا تكون هناك مفاجآت تؤخرها. فما لا يعرفه اللبنانيون أن لقاح فايزر يأتي على شكل مسحوق أو “بودرة” حيث يجب إعادة تكوين هذه اللقاحات المجففة بسائل معين ثم حقنها بإبرة. إلا أنه من غير الواضح ما إذا تم تأمين كميات الإبر اللازمة ولا السائل المطلوب لتذويب اللقاح؟ لماذا تأخروا في طلبها، أين هي موجودة ومتى تسلم، وألا يجب أن توزع منذ اليوم حتى يأتي المسحوق وتكون المراكز جاهزة؟ هل تم رصد مال لهذه المصاريف حتى؟ لا أحد يعلم وبالتالي يمكن أن تصل اللقاحات ونضطر لانتظار الإبر والسائل وغيرها من المستلزمات!

 

التبريد والنفايات السامة!

 

وفي الوقت نفسه، وللحد من مخاوف سلسلة التبريد للقاح الجديد، ابتكرت شركة فايزر مبرداً حرارياً مزوداً بمراقبة البيانات خاص بالمسحوق. وتقول الشركة إن الحاوية بحجم حقيبة سفر وتستخدم الثلج الجاف للحفاظ على درجات الحرارة شديدة البرودة عند -70 درجة مئوية (-94 فهرنهايت). بعد فتحها، يمكن تخزين قوارير اللقاح في ثلاجات فقط لمدة تصل إلى خمسة أيام أو يمكن استبدال الثلج الجاف لتمديد وقت التخزين في الحاوية لمدة تصل إلى 15 يوماً. إلا أنه وبحسب المصدر “لم تُحدد حتى الساعة أي سلسلة تبريد متكاملة، ومتجانسة وفي حال التخطيط لوضعها في الثلاجات في بعض المراكز، لا أحد يعلم من سيؤمن كميات الثلج المطلوبة، ومن سيدفع ثمنها، وهل اعدّ فريق الخبراء نفسه لهذا الموضوع؟ وماذا سيكون عليه نظام توزيع اللقاحات إلى أن يتم استخدامها في العيادة؟ وكيف سيتم التنسيق بين كميات المسحوق (اللقاح) والإبر والسائل؟”

 

كما أن “اللجنة” أي “الفريق الخبير” لم يطرح أمام الأطباء ولا أمام فريق الوزارة المعزول عن اجتماعاته أي دراسة أو ملف دقيق يحدد المراكز والمواقع الرعائية الصحية الموزعة على الأقضية، أقله كي تتم مراجعتها (بالشكل العلمي) وإعطاء الملاحظات عليها قبل فوات الأوان. إذ إنه من المستحسن قدوم الأشخاص إلى مكان التبريد وتلقي اللقاح وليس استقبال اللقاحات من مراكز التبريد ثم إعطاؤها للمواطنين، بخاصة أنه لا يوجد في غالبية الصيدليات المحلية التبريد اللازم ولا يمكن أن نترك موضوع المواقع الرعائية للحظات الأخيرة. وفي ذروة هذه الفوضى، لا حديث متداولاً بعد عن “مستلزمات التعقيم وحماية العاملين والزائرين لمراكز التلقيح”، فأيضاً هل هناك كميات كافية من الكمامات والكفوف الطبية وسوائل التعقيم والمداخل التعقيمية عند مداخل دور الرعاية مثلاً؟

 

كما يلفّ الغموض مصير النفايات الطبية كمخلّفات كيميائية التي ستنتجها المراكز الخاصة بالتحصين، في المستشفيات الحكومية والمصحات الخاصة، والأهم أنه ووسط مخاوف حقيقية من تداعيات إلقاء الفضلات الطبية في الطبيعة نتيجة القصور في أنظمة تدوير ومعالجة المخلفات المؤذية والخطيرة، بدأت جهات خاصة كبلدية بنت جبيل، والرئيس الحريري وفؤاد المخزومي بتقديم طلبات إلى وزارة الصحة للحصول على موافقة نهائية والتصريح اللازم لاستيراد اللقاحات وإرسالها إلى الشركات المصنعة. فماذا عن هذه الجهات؟ هل سيتم شمولها ضمن الخطة الوطنية تضم تحت مظلتها ما تستورده الدولة وما قد يستورده القطاع الخاص، وكيف سيتم الإشراف وما الإطار التنظيمي للمعايير، لأن هذه الطلبات العشوائية التي بدأ المواطن يشهدها لا تشير إلا إلى عشوائية لاحقة في ما خص النفايات والتبريد والصلاحية وغيرها.

 

في السياق نفسه، وبعيداً من تنظيم الإجراءات داخل المراكز وتأمين المواصفات، على الوزارة تدريب مئات من الأشخاص في وقت ليس بكافٍ، خصوصاً وأن الدورة تقتضي تدريب الممرضين على عدة مراحل متعددة لإعطاء الشخص تلقيحين تفصل بينهما ثلاثة أسابيع. كما أن هناك قواعد على الممرض التزامها كتحديد عدد القوارير/الجرعات اللازمة قبل فتح حاوية الشحن الحرارية (الشنطة)، فلا تُفتح حاوية الشحن الحرارية أكثر من مرتين يومياً لمدة تصل إلى 3 دقائق في المرة الواحدة. كما أن الرزمة الواحدة فيها 5 جرعات يجب أن تُعطى لـ5 أشخاص خلال نصف ساعة، فهل فعلاً لدينا الوقت الكافي لأن ندرب الجميع لتطبيق كل ما سبق قبل وصول الدفعة الأولى من اللقاح!

 

ومن المهم أيضاً بناء منصة إلكترونية لتسجيل المواطنين، فرزهم حسب الأولويات، إعطاؤهم المواعيد وتوزيعهم على المراكز الأقرب ومتابعتهم للجرعة الثانية وما بعد اخذهم للجرعات، إذ إن تجربة اللبنانيين السابقة مع توزيع “مبلغ مساعدات الـ400 ألف ليرة” غير مشجعة، ولا يمكن الاعتماد على إتصال “الجهة المخولة من الدولة” بالناس، بل التوفير للشعب اللبناني منصة إلكترونية يتسجلون عليها مع إرفاق كافة المعلومات، وهو ما يحتاج لأكثر من ثلاثة أسابيع (موعد وصول اللقاح) لتحقيقه!

 

قد لا تكون هذه الحسابات مهمة أو واضحة لمن ينفذون الخطة، وربما بلى، إلا أنه في هذه الأجواء المليئة بالأحكام المسبقة والمبنية على ما قامت به الوزارة حتى الساعة من استنسابية، من الصعب الوثوق بالقدرة على التنفيذ الصحيح والتوزيع العادل للقاح. وفي المحصّلة، من المتوقع بعد الإجتماع المحدد للوزارة مع الأطباء المعنيين نهار الإثنين المقبل أن يتم عرض خطة ما عبر “باوربوينت” مرفقة بصور ونقاط، إلا أن العبرة تبقى بالتطبيق!