IMLebanon

زمن كورونا الجميل

 

هناك شيء جميل في زمن الكورونا، وهناك شيء ساحر في هذا الخوف العالمي من فيروس خفي، وهناك نوع من الرومنسية في هذا السجن الطوعي الذي وضعنا أنفسنا داخله، كما لو أننا وقعنا في غرام مطبخ وصالون وشرفة ومرحاض، بعد أن أصبح الأقربون أعداء والأبعدون شركاء في الهلع ورفاق البقاء.

 

وفي لحظة عادت إلينا قصص التاريخ التي قرأناها في مدارسنا، وأصبحنا نحن التاريخ وجزءاً منه. والذي حفظناه في الماضي شعرنا به في الحاضر، وبتنا نشبه ملايين الضحايا الذين قضوا منذ مئات السنين في أوبئة وأمراض اكتسحت الأرض. والـ50 مليون إنسان الذين ماتوا من الانفلونزا الاسبانية عام 1918، والـ200 مليون إنسان الذين قضى عليهم الطاعون عام 1350، لم يعودوا مجرّد أرقام نحفظها وندوّنها أجوبة في الامتحانات، بل شركاء في الألم والخوف.

 

ونحن الذين كنّا نظنّ أنفسنا آلهة، حكمنا هذه الأرض وروّضنا أكبر وأشرس حيواناتها، واستوطنا أقسى مناخاتها، وجدنا أنفسنا في لحظة ضعفاء، جبناء، خائفين، هالعين، مختبئين، ليس من وحش أو تنين، بل من فيروس صغير وحقير.

 

كلّ الأسلحة التي طوّرناها، وكل القذائف والصواريخ الباليستية والنووية، وكلّ الطائرات الحربية والغواصات والدبابات، لا حول ولا قوة لها في المعركة ضدّ كورونا.

 

فهل قرّر كوكب الأرض أن ينتقم منّا؟ هل قرّر أن يلقّننا درساً قاسياً بعدما عاملناه لسنوات طويلة بقسوة؟ هل قرّر الكوكب أن ينتقم للمحيطات التي ملأناها نفايات، وللجوّ الذي عبقناه بالسموم والدخان والأمراض، وللشجر الذي قطّعناه بلا وعي في الغابات، وللحيوانات التي قتلناها بلا رحمة، وللثروات التي نهبناها بلا ضمير، وللطبيعة التي شوّهناها بلا شفقة؟ هل قرّر الكوكب أن يعلّمنا شيئاً بفيروس لا تقضي عليه سوى النظافة، ليخبرنا كم قضينا وقتاً بالوساخة والإهمال؟

 

الجميل في زمن الكورونا، أنّ الدول الديموقراطية والاشتراكية والشيوعية والرأسمالية والليبرالية والامبريالية والفاشية والديكتاتورية والنازية، تقف مذهولة بسياساتها أمام هذا الوحش الصغير، ولا تجد سطراً في كتب دساتيرها لمحاربته والقضاء عليه. لم تعد باريس مدينة النور، وبيروت ست الدنيا، وجنيف عاصمة السلام، ولا حتى ميلان عاصمة الموضة… بل أصبحت كلّها مدن أشباح، يشتاق الأسفلت فيها إلى خبطة قدم البشر أو إلى أعقاب سجائر ساخنة تقع عليه لتشعره بالحياة.

 

ذكّرتنا كورونا أننا مجرّد بشر نعيش على كوكب يجب أن نتقاسمه مع الكائنات، لا أن نحتكره لأنفسنا… وذكّرتنا كورونا أنّ حياتنا في مدننا المتطورة والمنيعة والمضيئة والمريحة، ليست أهمّ أو أقدس من حياة مئات ملايين الفقراء في مدن العالم المحرومة والمحكومة بالفقر والإهمال.

 

وحتى لو متّ أنا من فيروس كورونا، فلن تكون حياتي أغلى من حياة مئات ملايين الأطفال الذين يموتون جوعاً حول العالم بسبب طمعي وعمى بصيرتي. وحتى لو متّ أنا من فيروس كورونا، فلن تكون حياتي أغلى من حياة آلاف العائلات التي تموت جماعياً بصاروخ في مناطق النزاعات والحروب التي رسم حدودها إجرام وجشع الدول العظمى. وحتى لو متّ أنا من فيروس كورونا، لن تكون قصتي أهمّ من قصص التاريخ فقط لأنني أحمل هاتفاً ذكياً في يدي.

 

حتى لو متّ أنا من فيروس كورونا، فسأموت مطمئناً، لأنني عارف أنّ هذا الفيروس لا يؤذي الأطفال في أي بلد، وسيعلمّهم درساً سيحفظونه مدى العمر، لعلّهم عندما يكبرون سيتفقون علينا وسيكونون رحماء أكثر مع الطبيعة ولطفاء أكثر مع الغريب عنهم، وحكماء أكثر في رؤيتهم للحياة.

 

لا ندري كم ستطول قصّة كورونا، ولكن نتمنّى ألّا تنتهي قبل أن نتعلّم درسنا، ونعيد النظر في اقتصاداتنا وسياساتنا وعلاقاتنا العالمية.

 

نتمنّى ألّا تنتهي قبل أن نعرف ضمنياً أنّ الأبطال الحقيقيين في حياتنا ليسوا لاعبي كرة القدم وكرة السلّة والزعماء والسياسيين… بل أبطالنا هم الممرضون والممرضات، والمسعفون والمتطوعون، والأطباء، الذين يفنون حياتهم من أجل إنقاذ حياتنا.