IMLebanon

«قوة دفع» مثلثة الأضلع تمسح شحوب العهد بعد 100 يوم من الحكم

«قوة دفع» مثلثة الأضلع تمسح شحوب العهد بعد 100 يوم من الحكم

لبنان ينجو من التحوّل إلى صندوق بريد في مواجهات المنطقة وتصويبات لبنانية في قمّة الأردن

توجّه لقانون انتخاب توافقي والتعيينات تُعزّز الرئاسة الثالثة واحتواء حراك السلسلة

بدا المشهد اللبناني في الأسابيع الماضية خافتاً يعتريه شحوب عهدٍ لم يمضِ على وجود رئيسه في سدّة الحكم مائة يوم، بعدما كان أعطى انتخابه في 31 تشرين الأول 2016 دفعاً معنوياً لبيئته التي كانت ترى في وصوله مجدداً إلى قصر بعبدا عنواناً لرفع كل مظاهر الغبن والتهميش والإقصاء السياسي الذي أصابها منذ أن غادره زعيمها منكسراً في 13 تشرين الأول 1990. لا بل إن هذا الشحوب اقترن برقص على حافة الهاوية نتيجة أداء تراكمي انعكس حالاً من التأزم السياسي لامس الوقوع في محظور أزمة وطنية على خلفية التجاذبات في قانون الانتخابات النيابية وتداعياته، وأزمة إقليمية ودولية على خلفية كلام رئيس الجمهورية حول سلاح «حزب الله» الذي أدرجه في خانة السلاح المكمّل للجيش اللبناني الذي لا يتمتع بالجهوزية المطلوبة، في وقت كان رئيس الحكومة سعد الحريري، الخارج هو الآخر من الإقصاء، يراهن على إحداث فارق ملموس في واقع البلاد، اقتصادياً على الأقل، يعوّض من خلاله ما خسره في موقعه السياسي وقاعدته الشعبية بعد غيابه القسري عن البلاد، متكئاً على تفاهمات دولية وإقليمية ظللت التسوية الداخلية وعبّدت الطريق أمام عودة عمل مؤسساته الدستورية بعد مرحلة من الشغور والشلل والعجز باتت الدولة معها أقرب إلى الدولة الفاشلة.

لكن ثمة «قوة دفع ما» ظهرت خلال الأيام الماضية أعادت تعديل المشهد، تجلت في ثلاثة عناوين أساسية:

العنوان الأول، هو اقتناع القوى السياسية، على اختلاف مشاربها، بأنها وصلت في طروحاتها إلى السقف الأعلى الممكن، ما وفّر لها مساحة آمنة في لعبة المساومة والتفاوض على القانون العتيد بما يحمي الحد الأدنى من مصالحها. من هنا، فإن التجاذب الحاد الذي ترافق مع تهديدات بالفراغ من جهة ولغة تخاطب سياسية استفزازية ذات منطلقات طائفية استدعت ردّات فعل مقابلة في الجبل وإن بدت مضبوطة، ورفض متقابل من الأطراف الرئيسية قد تحوّل اليوم إلى تحرّك حيوي بين تلك الأطراف، اتخذ منحى الهدوء في المقاربة بعيداً عن الضجيج والوعيد، مترافقاً مع الكثير من المواقف التمهيدية بين تلك التي رسمها الرئيس نبيه بري بقوله أن الفرصة لا تزال متاحة حتى السابع عشر من نيسان المقبل، وإن كان البعض يعتقد أنها ستتعدى هذا التاريخ للوصول إلى قانون توافقي وصولاً إلى ما باتت القوى السياسية تردده عن قبول بتأجيل تقني لثلاثة أشهر. وهذا التحوّل سيعيد تهدئة المواقف السياسية وعقلنتها لتفادي عودة التأجيج من جديد.

العنوان الثاني تمثل بالتعيينات الأمنية والإدارية والقضائية التي أنجزت الأربعاء، والتي جعلت من حكومة الحريري الحكومة الأولى للعهد بقوة، بعدما كان رئيس الجمهورية ميشال عون وصف هذه الحكومة بأنها حكومة انتخابات وأن حكومة العهد الأولى هي تلك التي تأتي بعد تشكّل مجلس نيابي جديد يعيد إنتاج السلطة السياسية. وإذا كان البعض يردّ عدم وصف رئيس الجمهورية حكومة الحريري بحكومة العهد الأولى إلى حذره في بداية عهده من الإخفاق في التعايش مع الرئاسة الثالثة، ومحاولته عدم إلزام نفسه باكراً بنتائجها، فإن ذلك ترك بحد ذاته آثاره السلبية على العهد الذي كان يتم الرهان على انطلاقة قوية له، وهذا لا يمكن أن يكون إلا من خلال حكومة منتجة وعلى مختلف الصعد، ولا سيما الصعد الاقتصادية والحياتية بعد حال من الجمود والركود والحصار الاقتصادي الصامت على البلاد. وقد جاءت التعيينات لتعطي زخماً جديداً للعهد، الذي اختار قائداً للجيش قريباً منه وهو الموقع الذي يعتبر رئيس جمهورية ما قبل الطائف أنه يعكس من خلاله قوته السياسية بالإتيان برجل يدين بالولاء له، على الرغم من أن هذه المعادلة تغيّرت في عهود ما بعد الطائف.

كما أن التعيينات أعطت إشارة قوية لمرتكزات التفاهمات ما قبل التسوية، والتي يمكن وصفها بعودة صيغة «الترويكا» في الحكم إلى إدارة شؤون الدولة، والتي كانت سابقاً تؤمن الوئام بين الاطراف الرئيسية في السلطة ولو على حساب مفهوم العمل المؤسساتي، التي سجل عدد من الوزراء ملاحظات على تجاوزه في الشكل رغم إقرارهم انه لن يتغير في المضمون، بحيث أن القوى الرئيسية اقتسمت التعيينات وأتت برجالاتها اليها.

أما العنوان الثالت فيتعلق باحتواء السلطة الحاكمة لحراك الشارع المطلبي عبر الذهاب إلى انجاز سلسلة الرتب والرواتب بالتزامن مع مشروع الموازنة العامة، وهو الأمر الذي من شأنه أن يريح القواعد الشعبية للقوى السياسية، رغم ما قد يسجله بعضها من تحفظات على هذا البند أو ذلك في إطار الربح الشعبوي. ومن شأن إقرار مشروع الموازنة العامة للعام 2017 بعد سنوات من الخلاف على إقرار الموازنات إعادة الثقة الدولية بلبنان، بحيث أن أكثر من مسؤول دولي قد تناول إهمية إنجاز الموازنة التي وضعت في مصاف أهمية إجراء انتخابات نيابية.

تلك العناوين شكّلت عودة المؤشرات لـ«فترة سماح إيجابية» في الداخل اللبناني، واستمرار وجود مظلة الأمان التي تحوطه، بعدما كانت الأجواء قد أشّرت بعد موقف رئيس الجمهورية حول سلاح «حزب الله» وتصعيد أمينه العام السيد حسن نصرالله ضد السعودية ودول الخليج عموماً إلى أن لبنان بات على مشارف أن يتحوّل صندوق بريد في المواجهة الأميركية – الإيرانية المرتقبة في ساحات الصراع في المنطقة، وفي ظل الاعتراض على موقف عون، والذي وصلت رسائله القوية دولياً من خلال تسريب بعض من محضر اجتماع مجموعة الدول الداعمة للبنان للإعلام، والذي أكد مطلعون على المحضر دقة ما سُرّب منه إلى الإعلام، وإنْ كان كثير من المتابعين يحاول معرفة الجهة التي سربت المحضر بغية فهم طبيعة الرسائل من ورائه، فيما الرسائل العربية ولاسيما الخليجية وصلت بدورها، وجرى العمل على لملمة الأثار السلبية التي نجمت عن هذا الموقف، والذي ستتمظهر ملامح تصويبه في القمة العربية المزمع عقدها في الاردن أواخر الشهر، حيث أن مشهد ذهاب رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة سوياً يضفي بعداً إيجابياً على موقف لبناني موحّد حيال موقع لبنان الطبيعي في الحظيرة العربية، سبقته رسائل توضيحية هادئة إلى الدول الخليجية والعربية بالحرص على مسار تصحيح العلاقات معها، كما إلى المجتمع الدولي بتمسك لبنان بالقرارات الدولية ولاسيما القرار 1701.