تراجع ملحوظ في معدلات الجرائم
على خلفية الجرائم المتلاحقة التي حصلت أخيراً والحديث عن ارتفاع نسبتها في لبنان، وعلى عكس ما يتم الترويج له، يعلن الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين عبر “نداء الوطن” أن الأرقام تكشف تراجعاً ملحوظاً في معدلات الجرائم، حيث انخفضت من 190 جريمة في 2021 إلى 153 في 2024.
فيما تبدو هذه الأرقام مطمئنة للبعض، تكشف الحوادث المتسارعة، مثل وقوع 4 جرائم قتل خلال 5 أيام فقط في بداية العام الحالي، عن فرضية انفجار اجتماعي قد ينذر بالأسوأ.
تراجع أم تصاعد مفاجئ؟
يشير شمس الدين إلى أن جرائم القتل في لبنان شهدت تراجعاً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة. في عام 2021، سجلت البلاد 190 جريمة قتل، فيما انخفض العدد في العام 2022 إلى 178 جريمة، واستمر التراجع في 2023 ليصل إلى 158 جريمة، وفي 2024 إلى 153 جريمة.
في كانون الثاني من عام 2024، بلغ عدد الجرائم 15، انخفض في كانون الثاني من العام الحالي إلى 13 جريمة. ولكن ما يجب أن يقال أيضا وفق شمس الدين هو أنه خلال 5 أيام فقط من بداية العام، وقعت أربع جرائم قتل، ما أظهر بوضوح تزايد معدلات العنف في لبنان في فترة زمنية قصيرة، الأمر الذي ولّد انطباعاً عاماً بارتفاع ملحوظ في نسب الجرائم، إلا أن الواقع الحقيقي لا يعكس هذا التصور تماماً، بل هو أكثر تعقيداً من الصورة التي يتم رسمها في بعض الأوقات.
عنف بلا حدود
لم يعد العنف مجرد أرقام، بل بات انعكاساً لانهيار المجتمع نفسياً واجتماعياً، وفي هذا السياق، تؤكد الأستاذة الجامعية والاختصاصية في علم النفس العيادي والمرضي للصغار والكبار، الدكتورة ريتا هيكل حسون عطالله، لـ “نداء الوطن”، أن العنف المستشري في لبنان، ليس مجرد نتيجة لتدهور اقتصادي عابر، بل حصاد مرير لسلسلة من الكوارث المتلاحقة، التي زلزلت كيان المجتمع اللبناني، وهدمت بنيته النفسية والاجتماعية، من الثورة، إلى جائحة “كورونا” التي عمّقت العزلة واليأس، مروراً بانفجار “مرفأ بيروت” الذي دمر المدينة وتسبب في انعدام الأمان، وصولاً إلى الانهيار الاقتصادي الذي سلب الناس أدنى مقومات العيش الكريم. كل هذه الصدمات تراكمت، حتى بات العنف، الذي كان غريباً عن ثقافة اللبنانيين، جزءاً من يومياتهم، وأداةً قاسية لحل النزاعات وفرض السيطرة.
أزمة أعمق من الاقتصاد
حين نغوص أكثر في المشهد اللبناني، نجد أن الأزمة ليست اقتصادية وحسب، بل هي أزمة وجودية، تهدّد استمرارية الدولة نفسها. لبنان لم يعد مجرد ساحة معركة اقتصادية، بل أصبح في قلب أزمة اجتماعية وأخلاقية وجودية تهدّد كيانه. الانهيار ليس محصوراً في تدهور العملة أو تفاقم الفقر، بل تخطّى ذلك ليصيب البنية الاجتماعية في العمق، ويصبح العنف والقتل بمثابة عواقب طبيعية لغياب العدالة، وتفشي الفساد، واختلال السلطة.
تؤكد عطالله في هذا السياق، أن غياب المؤسسات الوطنية حوّل العنف من مجرد ظاهرة إلى جزء من الحياة اليومية. “في ظل غياب القانون، لم يعد أمام اللبنانيين سوى خيارين: إما الخضوع للعنف أو استخدامه كوسيلة للبقاء”، وتوضح أنّ المجتمع اللبناني الذي لطالما كان رمزاً للتعايش والاحترام، أصبح رهيناً لمعادلة القسوة والموت، حيث أضحى العنف وسيلة لتأكيد الوجود في ظل نظام اجتماعي يفتقر إلى أسس العدالة أو الأمان.
فرص الإنقاذ
لبنان اليوم في أمسّ الحاجة إلى إصلاح جذري، ليس فقط على المستوى الاقتصادي والسياسي، بل على المستوى الأخلاقي والاجتماعي أيضاً. فالإصلاح يبدأ من استعادة هيبة الدولة، تفعيل دور المؤسسات الأمنية، وتطبيق العدالة بشكل حازم، بعيداً من المحسوبيات والتسييس.