IMLebanon

عبثاً نسعى… الفرق بالأساس

 

الكثير من دول العالم تعيش اضطرابات داخلية، وغالبيتها لم تستطع ايجاد الحلول الجذرية لتأمين الاستقرار الكياني لها، وفي الوقت ذاته فهناك دول اخرى استطاعت مواجهة مشاكلها البنيوية والسوسيو-إجتماعية، بالطرق الحضارية، وتوصّلت تباعاً، لوضع التركيبات الملائمة لمجتمعاتها ولفئاتها المُتعدّدة، ممّا يحفظها ويزيل المخاطر الوجودية عنها جميعاً. كما أنّ هناك فئة أخرى من الدول تتمتّع باستقرار إجتماعي وتكويني، ولكن لديها المشاكل السياسية والتنافسية التي تتفجّر من حينٍ لآخر، فنظامها كفيل بأن يُعالجها بالأساليب الديمقراطية، وبالاستفتاءات والانتخابات والدستور والقوانين.

 

أمّا لبنان فينتمي لفئة الدول التي تُعاني من اضطراب تكويني عميق، وهذا ليس بعيبٍ، بل العيب الحقيقي هو في عدم وضع الإصبع على الجرح النازف، وهو السبب الحقيقي الذي يمنع اللبنانيين من الوصول إلى الحلول الجذرية والسلمية في ما بينهم. من لا يعترف بالاضطراب والاختلاف في النظرة الثقافية والفكرية في لبنان، فهو إمّا جاهل، وإمّا متواطئ، وعلى الأرجح فهو متواطئ، مع مشروع إنهاء لبنان، كوطن للحرّيات وللعيش بالتوازنات الدقيقة.

 

دخلت الانسانية في المرحلة الأخيرة في انقساماتٍ خطيرة ومواجهاتٍ عسكرية، تُشبه إلى حدٍّ كبير، الانقسام الدولي السابق، بين المعسكر الشيوعي، والمعسكر الرأسمالي، وقد انتهى حينها بسقوط المعسكر الشيوعي بفِعل الفشل المالي والاجتماعي والاداري الذي كان يُعاني منه، ورفض ايديولوجيته من قبل المجتمعات المحكومة منه. ونشهد حالياً توزّع الدول الصغيرة، طوعاً أو رغماً عنها، إلى أحد الطرفين، وخاصةً في منطقة الشرق الاوسط، حيث تُضمّ بعض الدول، عنوةً عن شعوبها، لمحور المُمانعة، الشبيه للمعسكر الشيوعي، بأدائه وانغلاقه وقمعيته وتخلّفه، وتدخل دول أخرى بتطورها وتفوقها وازدهارها إلى المحور الآخر.

 

ونرى أنّ لبنان يتعرّض لأشنع المحاولات العدائية، بهدف ضمّه إلى محور المُمانعة، من خلال إلغاء ميزاته المتمثّلة بثقافته الحرّة ودوره الانفتاحي. وتصطفّ في الداخل اللبناني تقريباً ذات الاطراف، التي دعمت سابقاً العمل الفلسطيني المسلّح، ومن بعده سيطرة النظام البعثي السوري على لبنان، في محور المُمانعة، في حين تتجمّع الأطراف المتمسّكة بالحرّيات وبثقافة الحياة، لتكوين محور مدافع عن لبنان. وتجمع ثقافة الموت والقمع والكره والنفاق والعيش بالاوهام، افرقاء محور المُمانعة، في حين نجد أنّ ما يجمع الاطراف المعارضة لهم، بالرغم من مشاربهم المتعدّدة، الرؤية نحو التطور والإزدهار، وباتجاه ثوابت الحرّيات الانسانية.

 

وفي حين أيضاً، نجد أنّ الافرقاء المنتمين لمحور المُمانعة هم ذاتهم الذين نقلوا لبنان منذ سنة 1975 من فئة الدول المزدهرة والمتطورة، إلى فئة الدول الفقيرة والمأزومة والمُدمّرة والمنهارة والمتخلّفة، نجد في الجهة المقابلة، أنّ هناك افرقاء لم يتوقّفوا يوماً عن الدفاع عن لبنان، وطن الحياة والتطور والانسان المنتج. فنتأكد يومياً وعند كل ازمة وخلاف ونقاش، أنّ المسألة أعمق جداً من خلافات حول الرئاسة او تنافسات انتخابية، او تباينات على فذلكة الموازنة، او حول مكان وشكل الحوار، أكان على طاولة او في صالون، بل هو خلاف في الاساس، عبثاً نحاول حلّه بالترقيع والسبل العادية، لأنّه اختلاف في الانتماء الثقافي، وانقسام في الفكر والتكوين، ولا شيء يجمع بين الطرفين، الا عدم الاستقرار، وضرورة ايجاد تركيبة جديدة.