IMLebanon

نظام “خارج” النظام

 

“القرض الحسن” تتعرّض لهجوم سيبراني يُزيل الغطاء عن آلاف المتعاملين

 

تحوّلت من مجرّد “كونتوار” مالي يُعطي القروض مقابل رهن الذهب إلى ما يُشبه المصرف

إنتشر على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي فيديو لمجموعة تطلق على نفسها اسم “سبايدرز” تدعي خرق خوادم جمعية “القرض الحسن”. وقد كشفت بالأسماء والأرقام موازنات الجمعية وأعداد المتعاملين معها. وحضت جميع المودعين والمقترضين على وقف التعامل مع “الجمعية” كي لا يكون مصيرهم مثل مصير المتعاملين مع المصارف اللبنانية.

 

تمتلك جمعية القرض الحسن بحسب المعلومات نحو 25 فرعاً في مختلف مناطق جبل لبنان، بيروت، البقاع والجنوب. ويتعامل معها عشرات الآلاف من المواطنين. وقد بلغ عدد المودعين في فرع حارة حريك وحده نحو 8300 عميل. أما الرقم الصادم فكان الحجم الهائل في قيمة القروض عن العام 2019 والتي بلغت نحو نصف مليار دولار، استفاد منها حوالى 197 ألف مقترض. أمّا معدل الإقراض الشهري فبلغ حوالى 40 مليون دولار. وبغض النظر عن أهداف الجمعية، فهل يعقل أن تكون هناك شبكة مالية بهذا الحجم والضخامة تدير مقدرات بملايين الدولارات لآلاف اللبنانيين، خارج المنظومة النقدية والمصرفية وغير خاضعة لقانون النقد والتسليف؟

 

خارج الأطر التنظيمية والرقابية

 

 

التوسع الكبير في أعمال الجمعية التي تحولت من مجرد “كونتوار” مالي يعطي القروض مقابل رهن الذهب إلى ما يشبه المصرف، لجهة استقبال أموال المودعين مقابل فائدة، واعطاء بطاقات دائنة ومدينة، يطرح العديد من علامات الإستفهام. ينطلق أحد المصرفيين لتوصيف حالة الفوضى التي احدثتها مؤسسة “القرض الحسن” من حادثة واقعية. فقبل أعوام قليلة تعرضت واجهة فرع تابع لأحد المصارف التجارية إلى التدمير، وكانت هذه الواجهة تحتوي على صراف آلي. ولتسهيل أمور الزبائن جرى نقل الصراف الآلي ATM إلى الواجهة المقابلة لمسافة لا تبعد 5 أمتار. فما كان من المصرف المركزي إلا ان وجه إنذاراً خطياً إلى المصرف يعلمه فيه بمنع تحريك ATM إلا باذن رسمي، وبعد تقديم طلب خطي. فكيف يُسمح إذاً أو يُغض النظر عن إقامة “كونتوار” مالي معني بتقديم القروض مقابل رهونات عينية، ان يتحول الى نظام مصرفي فيه مودعون وبطاقات إئتمانية وصرافات آلية.. على عينك يا دولة.

 

مصلحة مزدوجة

 

خطورة هذه الظاهرة انها تُعتبر نظاماً مصرفياً متفلتاً من أي قيود رقابية وتنظيمات حمائية داخل النظام المصرفي الشرعي. وهي تنمو بحسب أحد المتابعين على “إزدواجية التدفقات المالية الكبيرة ممن يدورون في فلك “حزب الله” وحاجة المواطنين الماسة إلى القروض سهلة المنال. فمن جهة، فرض على المتمولين والممولين الأساسيين لنشاطات “الحزب” قيوداً صارمة تتصل بمكافحة الإرهاب وتبييض الأموال في السنوات الأخيرة، وقد منعوا من إدخال أموالهم عبر القنوات المصرفية الرسمية أو التعامل معها. كما ان الكثير من المودعين عمدوا مؤخراً إلى سحب ودائعهم من المصارف، وتحديداً بعد فرض العقوبات على جمال ترست بنك وإقفاله، خوفاً من احتجازها أو تعريض المصرف لعقوبات وبالتالي ضياعها. ومن المرجح بحسب المصدر ان يكون قسم غير قليل من المودعين قد عمد إلى توظيف أمواله في مؤسسة “القرض الحسن” للاستفادة من الفوائد أولاً، وللمساهمة بتمويل نشاطات “الحزب” المالية ثانياً. أمّا من جهة أخرى فان تشدد المصارف التجارية بعدم إعطاء القروض لمن لا يملك دخلاً ثابتاً ومستقراً، دفع بالكثير من المواطنين للتوجه إلى الكونتوارات المالية للحصول على قرض مقابل رهن “الصيغة” أو غيرها من الأصول العينية. وليس من المستبعد بحسب المصدر ان تكون ميزانية القرض الحسن قد زادت بنسبة كبيرة في العام 2020، نتيجة توقف المصارف كلياً عن الاقراض. من هنا فان هذه المنفعة المشتركة بين المودعين والمقترضين نفخت ميزانية “القرض الحسن” إلى مستويات قياسية. لكن هل هذه الأموال مضمونة أم انها معرضة للخطر كما ادعت المجموعة المقرصنة لخوادم الجمعية؟

 

الإجابة عن هذا السؤال “منو وفي”. فتعرض الجمعية لمثل هذا الاختراق “السيبراني” كشف آلاف المودعين والمقترضين وعرّضهم للخطر من دون وجود أي قدرة لأي جهة للدفاع عنهم، كون المؤسسة تعمل باطار غير شرعي، هذا من ناحية، أما من الناحية الثانية فان تجربة الكونتوارت في لبنان غير مشجعة، وآلاف المودعين معها تعرضوا لعمليات نصب واحتيال من دون القدرة على استرداد أي ليرة منها. فهي لا تمتلك اصولاً لتسييلها والتعويض على المودعين في حالات الافلاس كما ان مؤسسة ضمان الودائع لا تغطيها.

 

الشق الاخطر في هذه الظاهرة هو ان انفلاش اعمال هذه “الجمعية”، التي تحوز بحسب مطلعين على علم وخبر من وزارة الداخلية فقط من دون أي رخص من الجهات المالية، وتوسعها خارج الشرعية، يأتي في الوقت الذي تنصب فيه الجهود لعقد اتفاق مع صندوق النقد الدولي، واعادة هيكلة القطاع المصرفي. وبالتالي فان مثل هذه الانشطة التي تندرج ضمن “اقتصاد الميليشيا” غير المعترف به تساهم بتفكيك المنظومة الاقتصادية والمصرفية، وتسيء إلى سمعة لبنان وتقلل من احتمال مساعدته وانقاذه.