IMLebanon

جرأة الانتقاد.. وشجاعة الحوار!

رفيق الحريري ما زال حاضراً، وبقوة تكبر سنة بعد سنة، رغم نجاح قاتليه بتفجير موكبه، واغتياله جسدياً.

رفيق الحريري: الحلم، المشروع، الرؤية، والإرادة..

رفيق الحريري: الاعتدال، الانفتاح، الحوار، الوفاق..

رفيق الحريري: الصدق، الإخلاص، التضحية، الوفاء..

هي المبادئ والقيم والقواعد، التي شكلت نهج الرئيس الشهيد، وجعلت منه أسطورة أقوى من غدر الزمن الرديء، ونموذجاً يتحدّى أساليب القتل والترهيب.

هي الثوابت التي تجسّدت في خطاب الرئيس سعد الحريري، وأعادت رسم المشهد السياسي في البلد، على حقيقته، وبواقعيته المريرة، من دون مسايرة أو مواربة، في محاولة صريحة وواضحة، لوضع النقاط فوق حروفها الصحيحة، في زمن الحوار، الذي أضحى «حاجة وضرورة».

لم يقفز رئيس «المستقبل» فوق الأزمات المستعصية، ولم يتجاهل الملفات المعقدة، ولم يقلل من مشكلة الخلافات المزمنة.

بل حرص على مصارحة اللبنانيين، كل اللبنانيين، وليس جمهوره فقط، بمخاطر المرحلة المدلهمة في المنطقة، والتي تلقي بظلالها الثقيلة على الوضع اللبناني الهش، الأمر الذي يتطلب من جميع الأطراف، وخاصة حزب الله، العمل على تحصين البلد من رياح العواصف العاتية حولنا، والقيام بكل ما يساعد على منع وصول النار السورية، ونيران الحرائق الأخرى في الإقليم، إلى الداخل اللبناني.

 * * *

الجرأة الحريرية في توجيه الانتقادات المباشرة لمواقف وسلوك حزب الله في الملفات الإقليمية، وتورطه في حروب سوريا والعراق واليمن، لا تقل شجاعة عن إعلان صاحبها تمسكه الحاسم بالحوار مع الحزب «الذي أصبح حاجة إسلامية وضرورة وطنية لمنع انفجار الخلاف في الشارع»، والانزلاق إلى مهاوي الفتنة المذهبية.

لم يعد سراً أن هذا الحوار بالذات، أثار ردود فعل متباينة في أوساط تيّار المستقبل وجمهوره، على خلفية التراكمات الحسّاسة والمعقدة التي خلفتها خلافات عقد من الزمن، كانت العلاقات خلالها بين الطرفين، دائمة الحركة صعوداً وهبوطاً، على إيقاع الأحداث والاغتيالات الدراماتيكية التي تعرّض لها فريق 14 آذار، ورموز بارزة من تيّار المستقبل.

ولكن أجواء الانفراج السياسي والاسترخاء الأمني، التي أعقبت الجلسات الأولى للحوار، وما نتج عنها من تفاهمات في الملف الأمني، أتاحت تنفيذ الخطط الأمنية المعطلة، وإزالة الأعلام والصور والشعارات من بيروت والمدن الرئيسية الأخرى، كلها ساعدت على تبديد مناخات التحفظ والحذر من الحوار، كما شجعت على المضي قدماً في هذه التجربة الصعبة، والمحفوفة بشتى أنواع الألغام، المحلية والخارجية، على أمل تحقيق المزيد من التقارب والتفاهم حول الملفات الداخلية على الأقل، والتي من شأنها أن تُعزّز المناعة الوطنية ضد الفتن المذهبية والعمليات الإرهابية.

 * * *

لم يكتفِ رئيس «المستقبل» بالتأكيد على التمسك بالحوار «الحاجة والضرورة» ولم يتوقف عند الملفات الخلافية العديدة مع حزب الله، رغم مصارحته اللافتة في تفصيلها، والتحذير من مخاطرها، بل ذهب أبعد من ذلك، خطابه الوطني بامتياز، عندما دعا حزب الله إلى التفاهم على «استراتيجية وطنية لمكافحة الإرهاب».

لا نغالي إذا قلنا، بأن هذه الدعوة الوطنية، الإسلامية، جسّدت رؤية حريرية متوارثة، من الرئيس الشهيد إلى الوريث حامل الأمانة، تعطي الأولوية دائماً لمواجهة الخطر الخارجي، على أية تفاصيل خلافية داخلية، على اعتبار أن الخطر الخارجي يتهدد الجميع، ولا يُميّز بين الحزب والأطراف اللبنانية الأخرى، في حين أننا قادرون على معالجة خلافاتنا عندما نعتمد الحكمة والعقل والتبصر، بدل الانفعال والغلو والتطرّف.

ومَن ينسى الدور التاريخي الكبير الذي قام به الرئيس الشهيد رفيق الحريري في حرب 1996 الإسرائيلية ضد لبنان والمقاومة، والذي أدى إلى التوصّل إلى تفاهم نيسان الذي كرّس اعتراف واشنطن وتل أبيب بشرعية المقاومة، وفرض مظلة حماية ضد الاعتداءات الإسرائيلية على المدنيين في القرى الجنوبية.

رغم إشارته إلى أن مشاركة الحزب في الحرب السورية أدت إلى استدراج الإرهاب إلى حدود لبنان، فإن ذلك لم ينل من قناعة الحريري بأن الحرب ضد الإرهاب، مسؤولية وطنية شاملة، وليست مهمة فريق معين من اللبنانيين، قد تؤدي تداعياتها التفرّدية إلى ما لا يحمد عقباه.

 * * *

سعد الحريري وضع إصبعه على أوجاع الوطن، وأنعش آمال اللبنانيين وأحلامهم بغد أفضل، إذا سار الجميع على درب الحوار.. والوفاق، بعيداً عن كل المزايدات الأخرى!