IMLebanon

أيام الحوار: «تعبئة الفراغ» ومخاوف من ارتداد عن الطائف!

المخاوف تشتد من استمرار ربط الاستحقاقات اللبنانية بأزمة المنطقة ورفع إيران وتيرة المواجهة

قيادات في «14 آذار» تدعو للعودة إلى الساحات على غرار النموذج التركي لمنع الانقلاب، إذا حدث، من تحقيق أهدافه

على بعد أيام معدودة من ثلاثية الحوار المقرّر انعقادها في «مقرّ عين التينة»، بدءاً من الثاني من آب، في محاولة للبحث في السبل الآيلة إلى الخروج من الأزمة السياسية والدستورية التي تعصف بالبلاد، ومدى قدرة الأطراف المتحاورة على التوصّل إلى اتفاق، تشهد المنطقة مساراً تصعيدياً ملحوظاً تجلّى في معركة حلب التي حقق فيها النظام السوري وحلفاؤه، بدعم روسي، تقدماً ميدانياً يتجاوز البعد التكتيكي ولعبة تحسين المواقع والأوراق التفاوضية إلى ما يمكن اعتباره تحولاً استراتيجياً، وتعديلاً جوهرياً في موازين القوى على الأرض الذي لا بدّ من أن تنعكس ارتداداته على المسار السياسي لحل الأزمة، لا بل إن بعض المراقبين يذهب إلى الاعتقاد بأن تطورات حلب ستشكّل ترجمة عملية لمشروع اتفاق روسي – أميركي متكامل يرسم الخطوط العريضة لمعالم الحل المستقبلي لسوريا.

وهذا المسار التصعيدي المستجدّ يتجلى أيضاً على الساحة اليمنية في إعلان علي عبد الله صالح – الحوثي عن تشكيل «مجلس سياسي» ذي صلاحيات واسعة، اعتبرها المبعوث الأممي إلى اليمن خرقاً واضحاً للدستور اليمني والمبادرة الخليجية، وانتهاكاً قوياً لقرار مجلس الأمن 2216 يُعرّض التقدم الجوهري لمحادثات الكويت للخطر، وهي خطوة تعبّر، في رأي المتابعين، عن قرار إيران برفع وتيرة المواجهة على مختلف الساحات التي تخوض عبرها معركة تكريس نفوذها في المنطقة، مستفيدة من الدفع الذي شكلته معركة الفلوحة وهزيمة «داعش» فيها.

إزاء هذا المشهد المتوتر إقليمياً تُطرح تساؤلات متعددة عمّا يمكن أن تخرج به طاولة الحوار في وقت تُسلّم فيه مختلف القوى السياسية اللبنانية بأن لبنان، بكل استحقاقاته، أضحى مرتبطاً ارتباطاً عضوياً بأزمات المنطقة، وبالتالي فإن أي انفراجات داخلية لا يمكن توقعها إذا لم تسبقها انفراجات في الملفات الإقليمية المشتعلة.

ويذهب البعض إلى الاعتقاد بأن «ثلاثية الحوار» ليست سوى محاولة لـ «تعبئة الفراغ» وافتعال إيجابيات داخلية تسهم في ترطيب الأجواء الداخلية وتنفيس الاحتقان بانتظار بلورة التسوية المنتظرة، أو تَوَفّر لحظة إقليمية تُـتـيح النفاد منها باتجاه إنجاز الاستحقاقات الداخلية وعودة الانتظام العام إلى عمل المؤسسات.

غير أن ثمّة مَن يَتخوّف، في المقابل، مِن أن تكون «طاولة الحوار»، في ظل الاهتراء الداخلي، هي «الفخ المنصوب» للنفاد إلى ما سُمّي «دوحة لبناني» تؤول، في نهاية الأمر، إلى إدخال تعديلات على اتفاق الطائف، تترجم الحديث السائد لدى قوى «الثامن من آذار» عن ضرورة عقد «مؤتمر تأسيسي» يُعيد إنتاج آلية حُكم جديدة في البلاد.

وكان لافتاً الكلام الذي أطلقه وزير العدل أشرف ريفي من طرابلس، حين اعتبر أن طاولة الحوار تُشكّل انقلاباً على المؤسسات الدستورية ووسيلة ابتزاز وتوطئة لتحقيق هدف «حزب الله» بضرب اتفاق الطائف، معتبراً أن الذهاب إلى مؤتمر تأسيسي يُشرّع الباب أمام صراع بين الطوائف والمذاهب، ويعيدنا إلى مناخات العنف والفوضى في مشروع حرب أهلية جديدة، داعياً اللبنانيين إلى الاستعداد للوقوف في وجه الانقلاب ورعاته بالعودة إلى الساحات في مشهد مماثل للرابع عشر من شباط، والرابع عشر من آذار الـ2005، متكئاً على النموذج التركي في إسقاط الانقلاب.

وما طرحه ريفي في خطابه من «معرض رشيد كرامي» يجري تداوله في أروقة قوى «14 آذار»، التي تعتبر أن اتفاق الطائف كلّف الوصول إليه مئات الآلاف من الشهداء، وأن مَن دَفع هذه الأثمان لن يسمح بالتلاعب بالصيغة اللبنانية لأن ذلك من شأنه استدراج لبنان مجدداً إلى حرب أهلية جديدة من بوابة «المؤتمر التأسيسي».

تلك المخاوف ستنسحب حكماً على مناقشات أقطاب الحوار ومبادرة برّي التي اصطدمت، في جولتيها السابقتين، برفض التراتبية التي طرحت بإنجاز فانون للانتخابات النيابية، وإجراء انتخابات نيابية تترافق مع تعهد بانتخاب رئيس للجمهورية في أوّل جلسة بعد انتخاب رئيس المجلس وهيئة مكتب المجلس مع تعهد بحضور جميع الكتل لتأمين النصاب، وهو ما يجعل طاولة الحوار أمام تحدي الخروج من مأزق الطرح البديل بالذهاب إلى «دوحة جديد» من أجل الوصول إلى سلّة متكاملة تتناول الرئاسة وقانون الانتخاب والحكومة والتعيينات في ظل رفض أولوية إنجاز استحقاق انتخاب رئيس للجمهورية من قِـبَـل فريق الثامن من آذار بمعزل عن السلة المتكاملة.

إزاء هذا الإصرار من فريق «حزب الله» وحلفائه، تبرز مخاوف جديدة من ارتدادات سلبية، إذا ما فشل الحوار، وعجز «حزب الله» – ميشال عون عن فرض مشروعهما على الطاولة، سواء عبر السلة أو خارجها.

وفي مثل هذا السيناريو البديل، للحفاظ على نفحة «التنفيس»، وإطعام المشهد أجواء انفراج.. يُطرح السؤال عمّا سيحدث إذا لحقت طاولة الحوار الثلاثية في تعثرها بجلسات مجلس الوزراء واللجان النيابية، على وقع تحوّلات المنطقة، والتنافس الإيراني مع الدولتين الكبريين في قطف ثمار معارك حلب والفلوجة وانهيار التسوية في اليمن؟!