IMLebanon

المأزق: الأحزاب تكسب اللوائح وتخسر الثقل الشعبي

الثنائية المسيحية المستجدّة تُماهي الثنائية الشيعية وتعمّق الانقسام الوطني

المأزق: الأحزاب تكسب اللوائح وتخسر الثقل الشعبي

دلالات قوية للاعتراض الشيعي في بعلبك – الهرمل: نحو 45٪ بوجه لائحة حزب الله

سرّعت الانتخابات البلدية والنيابية في انكشاف حجم المأزق الذي تعانيه القوى السياسية والحزبية على ضفتي الثامن والرابع عشر من آذار، وإن كان كثيرون يشاطرون نعي الرئيس نبيه برّي لهذين الفريقين اللذين استقطبا الشارع اللبناني على خلفية تداعيات اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005، وآلت الاغتيالات المتلاحقة والأحداث المتعاقبة إلى ترسيخ الشرخ بين اللبنانيين في انقسام عامودي اتخذ طابعاً مذهبياً مع استعار الحروب في المنطقة والمواجهة العربية – الإيرانية.

فالانتخابات قدّمت، في مرحلتها الأولى، نموذجاً واضحاً عن المأزق الذي ستعمل المراحل المقبلة على تظهيره أكثر، ما يطرح سؤالاً محورياً عن طبيعة التحالفات المستقبلية التي ستولد من رحم الانتخابات وعلى أنقاضها.

وإذا كان من المبكر رسم صورة وافية عن المستقبل الذي ينتظر المشهد السياسي ما بعد انتهاء العملية الانتخابية، إلا أن قراءة في النتائج وحجم حركة الاعتراض التي سُجّلت في مختلف المناطق ضد لوائح القوى السياسية التي كانت تتمتع في السنوات الماضية بثقل شعبي أو تدّعي تمثيلها شبه المطلق لطوائفها ومناطقها، تؤول إلى حقيقة أن تلك القوى خسرت الكثير من زخمها وثقلها وجمهورها. ذلك أن الإعلان عن انتصارها في معارك اختارتها من بيروت إلى زحلة وبعلبك – الهرمل ليست مؤشراً فعلياً على هذا «الانتصار» إذا ما جرت مقارنته بالواقع الذي كانت عليه سابقاً وأضحت عليه اليوم.

فلا أحد، سواء تيّار «المستقبل» وزعيمه سعد الحريري أو «الثنائية الشيعية» بقطبيها السيّد حسن نصر الله ونبيه برّي أو «الثنائية المسيحية» المستجدّة برأسيها ميشال عون وسمير جعجع، قادر على الادعاء باحتكار التمثيل ضمن بيئته الحاضنة، وإن كان ثمة اقتناع بأن الانتخابات البلدية والاختيارية لها خصوصيتها التي لا يمكن إسقاطها بالكامل على واقع الانتخابات النيابية.

فحين تسجّل انتخابات بعلبك – الهرمل، عرين «حزب الله» وحركة «أمل»، نسبة معارضة للوائح الحزب والحركة تصل إلى نسبة 40 و45٪ مع كل ما لدى هذا «الثنائي»، ولا سيما «حزب الله»، من سطوة السلاح وقوة التكليف الشرعي والإطباق على أعناق الناس وأرزاقهم، فإنه لا يعود بإمكانهم الادعاء بأنهما يمثلان 90 في المئة من الشارع الشيعي، وحين لا تحظى «لائحة البيارتة» التي وضع الحريري ثقله من أجل إنجاحها بنسبة تصويت مرتفعة، في مقابل لائحة «بيروت مدينتي» التي حظيت بنسبة تصويت «معتبَرَة» شكّلت مفاجأة للمراقبين، فإن ذلك يؤشّر إلى حال التململ التي تعيشها بيئة الحريري، وهي حال ربما تعود إلى تداعيات غيابه القسري لسنوات أربع، لكن هذا الغياب ترافق مع تشتت وقصور من قبل القيّمين على تيار «المستقبل» في التعامل مع جمهوره، فضلاً عن الشعور بالإحباط من الأداء السياسي العام للتيار ونوابه ووزرائه، الذي تجلّى جزئياً بالعجز الفاضح في معالجة ملف النفايات وتطويق الأفخاخ السياسية التي نُصبت لبيروت وزعامتها، والتي دفعت فاتورة باهظة من صحة أبنائها وقاطنيها.

وإذا كان الحريري، من خلال شعار المناصفة الذي رفعه عنواناً لمعركة بيروت، أراد ترسيخ نهج والده في الحفاظ على العيش المشترك وروحيته وتفويت فرصة اللعب على وتر تأجيج النزاعات الطائفية الإسلامية – المسيحية، فإن تركيبة اللائحة، التي شكّلت تحالفاً سلطوياً بعيداً عن فريق العمل المتجانس مع برنامج واضح، أدت إلى نتائج عكسية، وفوتت فرصة إيصال مجلس بلدي يعبّر عن هواجس الناس ونبض الشارع، ويُعيد إليهم الثقة والأمل الذي منحتهم إياه لائحة «بيروت مدينتي» والتي كانت أقرب إلى أفكار وتطلعات زعيم «المستقبل».

على أن البارز في انتخابات بيروت وزحلة هو ارتفاع منسوب الانقسام المسيحي – الإسلامي، إذ أن تصويت الدائرة الأولى بغالبيتها المسيحية ضد «لائحة البيارتة» حمل في طيّاته موقفاً طائفياً، كون أن انتصار اللائحة هو في حقيقة الأمر انتصار للحريري بما يشكله من زعامة سنية، رغم أن جانباً من الاعتراض كان على تركيبة اللائحة التي رسخت تحالف السلطة، متجاهلاً المجتمع المدني وشريحة واسعة من الناخبين غير المحسوبين على الأحزاب السياسية، التي بدورها عملت على تقديم نفسها القوة الأساسية والحامية لحقوق المسيحيين.

والمشهد في زحلة جاء فاضحاً في بعده الطائفي، حيث أن «الثنائية المسيحية» المستجدة، والتي يتغنّى أحد المنظرين لها بأنها تشبه «الثنائية الشيعية»، خاضت معركة زحلة بعنوان «التوافق المسيحي» مع حزب «الكتائب» في وجه عائلة سكاف وما تمثله في عاصمة الكثلكة، نازعة عنها انتمائها المسيحي، من باب الدعم الذي تلقته من «حزب الله» و«أمل» و«المستقبل»، وهو الدعم الذي أرادت «الثنائية المسيحية» أن يُجيّر لها في معركتها، ولو حصلت عليه كاملاً لما كانت أجراس الكنائس قُرعت لرد «الغزوة السنية والشيعية»، وهو نهج يرى مراقبون أنه آخذ بالتنامي في أدبيات «الثنائي المسيحي» في كل معركة بوجه الشريك المسلم، فيما تبقى المساحة متاحة لمعارك ديمقراطية ما دامت تدور على الساحة المسيحية وبأصوات مسيحية خالصة، وهو ما ستشهده انتخابات جبل لبنان، ولا سيما معركة جونيه التي تُوصف بـ «أم المعارك»، فيما تُشكّل معركة دير القمر التي يخوضها النائب دوري شمعون في وجه تحالف عون – جعجع اختباراً لمزاج أبناء الدير.

ولا يُقلل المراقبون من أهمية الاتجاه الذي سترسو عليه معركة إقليم الخروب والتي سترسم ملامح العلاقة المستقبلية بين الحريري ووليد جنبلاط .

بعد ما حملته المرحلة الأولى وما ستحمله المرحلة الثانية غداً، فإن إمكانية تبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود تصبح ممكنة على مستوى التداعيات التي ستفرزها الانتخابات البلدية عام 2016، ليس فقط على صعيد إسقاط ذرائع التمديد للمجلس النيابي بل على مجمل التحالفات ومستقبل الصيغة اللبنانية.

ة.