في جلسة لـ«الجمهورية» مع مجموعة من الخبراء البيئيّين، روى أحدهم أنّه صادف أحد المزارعين خلال جولاته الاستكشافية في مناطق لبنان الزراعية وهو يرشّ حقل البندورة بالمبيدات، وتحديداً بمادة الـ«لانيت»! فعَلّق بالقول «هذا يعني أنّ المواطنين يأكلون المبيدات!» الأمر الذي جعلنا نغوص في البحث عمّا تُخفي المبيدات، وإذا كان المواطنون يعلمون بماذا تُرشّ الخضار والمزروعات في لبنان؟
أظهرت المعلومات التي حصلت عليها «الجمهورية» أنّ مادة لاصقة تُضاف الى المبيدات القاتلة للجراثيم عند رشّها، فتلتصق المبيدات بالمزروعات بسبب قوّة اللاصق الذي يشكّل طبقة زجاجية يصبح من المستحيل إزالتها عن الخضار، علماً أنّه يجب نَقعها في الماء لأكثر من 6 ساعات قبل تناولها على رغم أنه لا يمكن إزالة اللاصق في حالات كثيرة، فيُصبح الإنسان عرضة لأشد أنواع المخاطر الصحية التي قد تُضاهي مخاطر تكدّس النفايات وسمومها!
وفي السياق كشف مرجع بيئي لـ«الجمهورية» أنّ بعض المزارعين يضيف هذا اللاصق من دون رقابة عند رشّ المبيدات، وذلك خوفاً من الحشرات وبهدف القضاء عليها حتى لا تأكل الثمار، واللاصق هو عبارة عن مادة سائلة لَزجة وعند مزجها مع المبيد تُنتج مادة لاصقة جداً، وعند رش المبيد تتثبّت مكانها أكثر فأكثر ويصبح من المستحيل إزالتها.
وبالإضافة الى خطورة المادة اللاصقة، تنتشر في لبنان أنواع من المبيدات تستلتزم فترة الأمان بعد رشها مدة 35 يوماً، لكنّ المزارع لا ينتظر فترة الأمان بل ينقل الخضار إلى السوق في اليوم التالي.
وكشف المرجع أنّ الأسواق اللبنانية تحوي بعض المبيدات الخطيرة جدّاً التي يحظّر استعمالها عالميّاً، وهي تدخل بطرق غير شرعية. علماً أنّ المبيدات الأكثر خطورة هي مبيدات الصراصير والحشرات المنزلية مثل النمل والبرغش، والتي تستعمل أيضاً في الزراعة، وقد تأكد للخبراء أنها تستعمل على الفواكه والخضار ومن بينها مادة الـ propoxur الشديدة السمومة والمضرّة بالصحة العامة.
وفي المعلومات أنّ وزارة البيئة في عهد الوزير انطوان كرم كانت قد أجرت فحوصاً على ألف عيّنة من عيّنات الخضار والفواكه بناءً على طلب مكتب البيئة العالمية، ليتّضح أنّ المبيدات تشكل واحدة من اخطر التهديدات في العالم.
ولأنها «الأخطر» وفق تقارير مكتب البيئة العالمية، شدّد رئيس المكتب دوميط كامل، عبر «الجمهورية»، على أهميّة طرق الوقاية عند استعمال المبيدات لأنّ الأثر البيئي الناتج عنها خطير جداً، لا سيما بعد الأبحاث الكثيرة التي أجريت في لبنان وأثبتت أنّ آلاف الأطنان من المبيدات تنتشَر في الخضار والفاكهة في الجبال لتعود وتنتقل عبر المياه الجوفية.
وللبلديات تنبيه!
مكتب البيئة العالمية حذّر من لجوء بعض البلديات إلى استخدام مبيدات خطرة جداً وبطرق غير علمية ومن دون دراية بمخاطرها على السلامة العامة. كما نبّه إلى استحالة السير بالطرق التي كانت تستعمل سابقاً. وأكّد ضرورة اعتماد طرق علمية حديثة مُراقَبة من الدولة لمنع تأثيرها المباشر على المَديَين القصير والطويل.
إرتفاع نسبة السرطان
أمّا عن نسبة أمراض السرطان المرتفعة في لبنان، والتي ما زالت تتزايد، فإنّ المبيدات والمواد الحافظة والمواد الكيماوية تؤدي دوراً أساسياً فيها، بالإضافة الى المواد المشعّة وملوّثات المياه الخطيرة.
ومن المسببات:
1 – المياه المضاف اليها كمية كبيرة من الكلور بنسبة أكثر من المسموح بها، الأمر الخطير جداً، ولا سيما إذا أضيفت إليها مواد عضوية تنتج مادة Thm (تري هالو ماتان)، أخطر مادة مسرطنة.
2 – حرق آلاف أطنان من البلاستيك الذي ينتج Dioxin مَحض، والجميع يتفرّج.
المبيدات داخل المنازل
3 – أمّا الظاهرة الاخطر فتتمثّل في رشّ المبيدات داخل المنازل، خصوصاً داخل غرف النوم والطعام والمطبخ! وهو أمر ممنوع منعاً باتاً حسب مكاتب البيئة العالمية وأبحاثها، نظراً إلى خطورة استنشاق روائح المبيدات، علماً أنّ الأخطر يبقى في استنشاق المبيدات التي تسوّق على أنها من دون رائحة بحجّة أنّ الانسان قد يهرب من رائحة المبيد المزعجة، لكن ما يجهله البعض أنّ المبيد الخالي من الروائح هو أشدّ خطورة والمواطنون يستنشقونه بإرادتهم فيتَغلغَل في رئاتهم وأجسادهم، وإذا لم يفتك بهم فوراً فإنّه سيفعل ذلك مع مرور الوقت ولا سيما مع استمرار النهج السائد في تعاطي اللبناني مع رش المبيدات داخل منزله.
وقد أجمعَ الخبراء البيئيّون على أنّ تَنشّق المبيدات أمر ممنوع نهائياً، فلا مسايرة او مهادنة او تبسيط لهذا الامر، وعلى حد قولهم «هو ليس قابلاً للتفاوض».
فعندما يتنشق الإنسان المبيد، خصوصاً داخل المنزل، سيدخل حتماً الى رئتيه، ومنهما الى الدم، ومن الدم الى المواد الدهنية المتغلغلة داخل الجسم حيث يعيش في صمت ولن يؤذي فوراً، ولكن عندما يُضطَر الإنسان الى استهلاك اي مواد دهنية في سياق الحركة فهو لن يستطيع ولن يصمد.
4 – كل المبيدات بلا استثناء التي ترش بشكل رذاذ في أرجاء المنزل ستحُطّ على الفراش والأغطية والوسادات وستتغلغل داخلها وتدوم فترة طويلة، لأنّ هذه الأماكن لا تتعرض لأشعة الشمس ولا سيما ليلاً، وعندما ينام الانسان أو يتحرّك داخل المنزل سيتنشق هذا الرذاذ العالق على الاقمشة.
كيف تكافح الحشرات؟
أما بالنسبة إلى الحشرات وطرق مكافحتها ولا سيما البعوض الذي يخرج في غالبيته من الصرف الصحي حاملاً معه أشدّ الملوثات وقادراً على الفتك بحياة الانسان، يقول الخبراء إنّ للمبيدات وسائل خاصة للاستعمال.
فإذا تعامل الإنسان معها بالطرق العلمية الحديثة فإنه لن يواجه مشكلة، أما إذا اعتمد الطرق المغلوطة فهي ستدمره. وتتلخص طرق المكافحة بالآتي:
1 – معاينة المنطقة كاملة وليس المنزل فقط، لمعرفة مصدر «البعوضة». فإذا كان من الصرف الصحي فيجب على البلديات تعقيمها جيداً بالطرق السليمة وإقفال الخزانات المكشوفة ووضع طبقات خاصة على قساطل الصرف الصحي لمنع البعوض من دخول المنازل. (بمعنى آخر يجب إقفال قساطل التهوئة الخاصة بالصرف الصحي الموجودة على اسطح البنايات بأغطية معدنية رقيقة مثل المنخل وما شابه).
2 – إنّ رَش الضباب الأبيض الممزوج بالمواد البترولية الذي تتّبعه بعض البلديات هو أمر مغلوط جدّاً ويلوّث الجو الى أقصى درجة، لكنّه للأسف يُعتمد في بعض الأماكن بحجّة القضاء الحتمي على البعوض، حيث يعتبر بعض البلديّات أنّ العملية هذه لا تؤثر في السلامة العامة! وهذا الوضع كارثي، وفق الخبراء البيئيين، الذين يؤكّدون أنّ اعتماد رش الضباب عشوائيّاً مغلوط ويؤثر في السلامة العامة، فيما المطلوب هو اعتماد الرش بالطرق الحديثة.
في المقابل، أشارت المصادر البيئية الى اعتماد بلديات كثيرة طرق الرش الحديثة وأنها أحسنت في استخدام أحدث المبيدات ومنها: بلديات الجديدة، فرن الشباك، غزير، شننعير، الدكوانة وغيرها… فيما أشرف الخبراء البيئيّون شخصيّاً على عمليات المكافحة.
امّا بالنسبة الى طرق تعامل الإنسان مع المبيدات، فيلفت الخبراء إلى أنّ عناصر الهواء الأساسية تتكون من 20 في المئة أوكسيجين، 79 في المئة آزوت، و1 في المئة غازات نادرة (أرغون، هليوم، كريبتون، كزانون، هيدروجين، وثاني أوكسيد الكربون) تعتبر كلّها هواء نظيفاً، وكل ما يزاد على هذا الهواء يصبح ملوّثات خطيرة جداً.
أما المبيدات التي ترش كرذاذ أو القطع التي تستعمل عبر حرقها بواسطة ماكينات خاصة موصولة بالكهرباء، فهي مواد سامة تحترق في الجو وتنبعث منها ملوثات خطيرة جداً تقضي على البعوض والحشرات ويمكنها أن تقضي ايضاً على الانسان إذا تنشقها، لأنّ الملوثات الخطيرة تتراكم في جسمه لفترة طويلة وتدمّر حياته تدريجاً.
كيف نحمي منازلنا؟
1 – إقفال الأبواب والنوافذ بعوازل حديدية رقيقة.
2 – اذا دخل البعوض يمكن استعمال الـRaquette الكهربائية وما شابَهها او استعمال ماكينات كهربائية لاقطة للبعوض، وتجنّب استعمال المبيدات ولا سيما داخل المنزل وغرف المنامة وخصوصاً غرف الأطفال وموائد الطعام.
في النهاية يشعر المواطن أنّ وسائل تدمير البشر كثيرة جداً، وقد تشعّبت في لبنان. فبعد النفايات، تأتي المبيدات تدمّر حياة الإنسان، فهل يصبح جهل المواطن وعدم مبالاته وتدقيقه في وسائل المكافحة لسلامته العامة من العوامل الاساسية والمهمة التي تساهم أو تؤدي الى هلاكه؟