IMLebanon

حيّنا والكورونا- الدكوانة

 

لم تعد الطريق المؤدية إلى منطقة مار روكز، تشبه حالها. عادة ما تصيب ساحة الدكوانة سكانها بحالة من الدوار والجنون أحياناً، بسبب زحمة السيارات التي تحاصرها ليلاً ونهاراً. في هذه الأيام، الساحة مهجورة. كذلك الطرقات المتفرعة منها وإليها. وكأنّ شوارعها تتهيب حالة حرب قد تندلع في أي لحظة. خطوط تماس غير مرئية إلا في أذهان الخائفين وهواجسهم. سكون مريب، مخيف. قلّة نادرة من “المغامرين” قررت اختراق قرارات التعبئة العامة. محال كانت تعج بالزبائن، سرعان ما أقفلت أبوابها هرباً من “تنين” خفيّ اسمه “كورونا”.

 

وحدها الأفران والسوبرماركت تحاول الصمود بوجه الاعصار، بعدما تحصّنت بطقوس وقائية. بات دخولها أشبه بعملية كومندوس. زجاجات المعقّمات رفعت كدروع واقية تتصدر الواجهات فيما الموظفون يختبئون خلف كماماتهم وقفازات “النيلون”. بنظرهم كل زبون هو مشروع اعتداء. ولا بدّ من التهيب للموقف. يراقب الزبائن بعضهم البعض بعيون مرعوبة: لربما صار العدو إلى جانبنا، يتخذ شكل “جارنا” الذي يحمل أغراضه. لربما تشاطرنا الهواء نفسه!

 

فجأة، انقلبت حياتنا وعاداتنا. بتنا غرباء في محيطنا، في منازلنا، بين أهلنا وناسنا. صار لكل كائن حيّ كوكبه الذي يخاف عليه من اجتياح فيروس قد يغيّر كل يومياته. بات الخروج من المنزل في الحالات الطارئة، أشبه بمغامرة ندرك كيف تبدأ ولكن نجهل تماماً نهايتها. رحلة يومية في حقل ألغام لا نعرف أين خُبّئت قنابله الموقوتة.

 

غريبة هي تجربة الاختباء من فيروس اقتحم يومياتنا من دون سابق انذار. حين كانت تتلى على مسامعنا أخبار الانتشار في الصين، كان الكبرياء يغلبنا ويقنعنا أننا محصّنون من العدوى. قد يحتاج الوباء إلى سنوات من الزحف لكي يخترق حصوننا. واذ به يحط على أرضنا.

 

ليل الاثنين الماضي بينما كان عدّاد الاصابات يتجاوز عتبة المئتين، كان الفيروس يطلّ من هواتفنا النقالة: رسائل صوتية تتحدث عن تمدد الوباء بين أحياء منطقة الدكوانة. عن حالات بالجملة توزعت بين الدكوانة ومار روكز وراس الدكوانة! يقول مرسلها إن هناك اتجاها لاقفال الأحياء ومنع الدخول أو الخروج منها. إنها الحرب. صار العدو على مقربة أمتار… أو سنتيمترات؟ من يعلم؟

 

تأتيك الرسائل من كل حدب وصوب قبل أن يلحقها بيان رسمي يؤكد ثبوت حالة واحدة فقط… بعدما يكون “الهلع” قد فعل فعله.

 

فجأة، بتنا أشبه بفئران نخشى من وحش يحوم حولنا. لا نعرف من أين يأتينا. من أي كفّ أو من مسطّح أو من أي كيس قد نحمله من السوبرماركت. “دراغولا” خفيّ بحجم ذرة غبار، يمتصّ أوكسيجين رئتينا، قادر على هزيمة البشرية بأكملها. صار لصيقاً بما يكفي ليدبّ الذعر فينا. قد نحمله وقد ننقله بخبث وبتواطؤ غير ارادي. بتنا نخشى أنفسنا من ارتكاب غلطة قد تصيبنا بعوارض حفظنا تدرجاتها عن ظهر قلب.

 

حوّلنا الفيروس إلى تلامذة صفوف ابتدائية نسارع إلى تعلم دروس في علوم الجرثوميات، نقتنص الأخبار من كل مصدر. نخوض في كل لحظة سباق العلماء مع أبحاثهم لاكتشاف العلاج أو المضاد. وبالانتظار صرنا كائنات حية تعيش في فقاعات بلاستيكية. كل في فقاعته. لا مجال للتماس أو للالتصاق. بات تعداد الكرة الأرضية حوالى 8 مليارات “غريب”.