IMLebanon

“دينامية” الناقورة ودور الخارج رئاسياً

 

 

تاريخان يفترض أن ينقلا لبنان من حلبة التجاذبات والتوازنات الداخلية (المختلة) إلى حلبة التوازنات الخارجية.

 

27 تشرين الأول دخل لبنان حقبة التنقيب عن النفط والغاز مع ما يتطلّبه ذلك من تخطيط بعيد المدى، وصبر ونفس طويل قبل أن يبدأ البلد باستثمار الثروة النفطية والغازية الدفينة في البحر. خلافاً للتسرّع من قبل أهل الحكم في وعد اللبنانيين بالمنّ والسلوى بعد توقيع الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، يتطلب ظهور منافع وفوائد هذا الاتفاق سنوات وليس أشهراً أو أسابيع.

 

بات أقل اللبنانيين دراية ومعرفة بالجوانب التقنية للعملية المعقدّة التي يتطلبها استخراج النفط والغاز من البحر، يدرك ذلك خلافاً للدعاية التي نسمعها. فإسرائيل بدأت التحضير في العام 2013، ثم باشرت اكتشاف المخزون وكمياته العام 2018، كما سبق للوسيط الأميركي آموس هوكشتاين أن أبلغ المفاوضين اللبنانيين في إحدى زياراته المكوكية المتقطعة مطلع العام الحالي، لتبدأ بحصاد النتيجة آخر العام 2022.

 

وإذا كان بعض الخبراء يعتبر أنّ بإمكان لبنان الرسملة على بداية العملية الاستثمارية سواء بالحصول على قروض، أو ببدء الشركات التي تقدم الخدمات للشركات العالمية المستثمرة، ضخ أموال للتأسيس لعملياتها، فإنّ ذلك سيبقى مشروطاً بالقدر العالي من الشفافية والحوكمة، التي قد تحتاج إلى تعديلات على التعديلات التي أدخلت على قانون البترول على دفعتين آخرها في 2017، من أجل تطويع هذا القانون مع رغبة قوى سياسية معروفة بأن تكون شريكاً مضارباً للشركات العالمية. اشتراط عبارة «الإصلاحات» ستتكرر بالنسبة إلى قطاع النفط والغاز مثلما نسمعها منذ أكثر من 10 سنوات بالنسبة إلى الأوضاع المالية والمصرفية والإدارية، وفي قطاعات الكهرباء والطيران المدني والاتصالات… إلخ.

 

حتى الاستثمار السياسي والدعائي لإنجاز الترسيم، مع نهاية عهد الرئيس ميشال عون، وجدت التوازنات الخارجية أنّه من المفيد توزيع رصيده بالعدل والقسطاس. فبالإضافة إلى شكر الرئيس جو بايدن للرئيس ميشال عون وآخرين، قبل أسبوعين، ثم رد الأخير اللفتة، حرصت الخارجية الأميركية على تضمين بيانها أول من أمس للإعلان عن زيارة هوكشتاين، عبارة عن أنه تم «وضع أسس المفاوضات التي جرت في اتفاق الإطار سنة 2020 بقيادة رئيس مجلس النواب نبيه بري».

 

«الدينامية الجديدة» التي تحدثت أوساط دبلوماسية غير لبنانية، وثيقة الصلة بمفاوضات الترسيم، على أن إنجازه قد خلقها على الصعيد الإقليمي، ستكون موضوع اختبار في الأشهر المقبلة، بموازاة بدء إجراءات التنقيب والاستخراج من قبل لبنان. ومع أن معظم الوسط السياسي والرسمي اللبناني لا يأخذ بكلام يائير لابيد أمس عن أن الاتفاق اعتراف بدولة إسرائيل، ورغم أن إعلاناً كهذا يمكن تصنيفه على أنه للتعبئة الانتخابية قبل أيام من عمليات الاقتراع الإسرائيلية، فإنّ ما حصل، يمكن وصفه على أنّه تسليم لبناني بالأمر الواقع سياسياً، وإن لم يكن اعترافاً بالمعنى القانوني. هذا الالتباس ربما كان وراء امتناع أو تردد بعض العسكريين في المشاركة في الوفد الذي وقع على الورقة اللبنانية للاتفاق في الناقورة، رغم أنّها منفصلة عن الورقة الإسرائيلية. لكن هناك وجهاً آخر لـ»الدينامية الجديدة» التي نشأت بعد الاتفاق، عكسها ما قاله بايدن في بيانه الجديد أمس، عن أن «الطاقة في شرق المتوسط يجب ألا تكون سبباً للنزاع… والاتفاق يقرّبنا من رؤية لشرق أوسط أكثر أماناً وتكاملاً وازدهاراً يوفر منافع لجميع شعوبه».

 

وهذا مؤشر على أن لبنان سيكون مستقبلاً أمام تحدي الدخول في أحلاف وصيغ تعاون حول قطاع الطاقة على الصعيد الإقليمي، حيث سيضطر إلى خيارات تأخذ في الاعتبار «الأمر الواقع» من دون اتفاق سلام مع إسرائيل، لكن مع ما سمي «سلام اقتصادي». واتفاق الترسيم يبقي أميركا حاضرة في ما بعد توقيعه، لمعالجة أي إشكال.

 

التاريخ الثاني هو 31 تشرين الأول حين يبدأ اليوم الأول من الشغور في الرئاسة. فانتهاء المهلة الدستورية من دون أن تتمكن التوازنات الداخلية من انتخاب رئيس، قد تفرض «الدينامية الجديدة» ثقلاً أكبر للضغوط الخارجية من أجل التوصل إلى اختراق في انتخاب الرئيس، على أساس حلّ وسط يسعى إليه الخارج في إطار جهود ضمان الاستقرار. ومع أن دعوة بري إلى الحوار يجد فيها البعض محاولة منه من أجل الإفادة من الضغط الخارجي لإنهاء الفراغ في سرعة، فإن اختبار الدور الخارجي في هذا المجال يخضع لاعتبارات منها انتظار ما سيؤول إليه الاتفاق بين أميركا وإيران، إذا جرى إحياء المفاوضات بعد الانتخابات النصفية الأميركية.