IMLebanon

بين 1701 وترسيم الحدود

 

 

في خطابه الأخير، دعا الأمين العام لـ»حزب الله» حسن نصر الله اللبنانيين إلى الإحتفال بإنجاز لبنان اتفاق ترسيم حدوده البحرية مع العدو الصهيوني الذي كان يريد محوه من الوجود.

 

قال بالحرف: «الليلة لن أهدد ولن أتوعد، ولا أريد أن أقول أيّ شيء يمكن أن يستفيد منه العدو، وبالتالي هذه الليلة ليست للتصعيد أو لرفع السقف، إنما للفرح والبقاء في حالة هدوء واسترخاء».

 

لم يتعرّض للمنظومة التي رعاها وحماها بدموع ضحاياه وضحاياها من اللبنانيين المقهورين والمفلسين والخائفين.

 

العكس حصل… مدحها وأشاد بتعاونها وجهودها الموحَّدة التي أثمرت صفقة خسر لبنان فيها ما خسر، فقط ليضمن لهذه المنظومة مصدر نهب جديداً، في حين يفترض أن تتم محاسبتها ومعاقبتها على كل ما ارتكبته تحت رعاية «الحزب الإلهي».

 

لكن للضرورة أحكام… لذا تجنّب نصر الله الأسلوب التعبوي المعهود. نسي «ما بعد كاريش». والأهمّ أنه نسي «ما بعد حيفا»، وما بعد الإنجاز الحقيقي للبنان عبر حصوله على القرار «1701»، الذي أوقف الأعمال القتالية، وضمن السيادة وعودة الجيش الوطني إلى الجنوب بعد تحريم إلهي حلّلته «هزيمة» حرب تموز 2006 التي تحوّلت انتصاراً بسحر ساحر.

 

حينها كان يجب على نصر الله أن يشكر رئيس الوزراء الأسبق فؤاد السنيورة، الذي عمل على تسريع إنجاز الاتفاق، بعد أن أخبره النائب علي حسن خليل، بصفته «المعاون السياسي» لرئيس مجلس النواب نبيه بري أنّ «الحزب» لا يملك مقوّمات الصمود لأكثر من ثلاثة أيام.

 

لكن خطة «الحزب» حينذاك كانت تقضي بأكل العنب وقتل الناطور المتمثل بالدولة اللبنانية ومؤسساتها، وليس كما هي الحال الراهنة، ولذلك كان يجب شحن «البيئة الحاضنة» من دون منّة الحكومة، ومن دون التنسيق معها أو سؤال خاطرها، وتفخيخ جهودها لإعادة إعمار بيوت «الشرفاء والأطهار من أهلنا»، على اعتبار أن المطلوب هو نسف الدولة التي توحّدت وقامت بواجباتها في المرحلة السابقة، وليس تقويتها ليتمكن من إنجاز مشروعه المستقل لمصادرة السيادة ورهنها لمصلحة إيران، وصولاً إلى ما نحن فيه اليوم.

 

لم يتوقف نصر الله كثيراً أو قليلاً عند الجهود الدبلوماسية التي أوقفت المجازر ووضعت أسس إعادة الإعمار. فأصحاب هذه الجهود ارتكبوا «خطيئة» طرح مسألة سلاح «حزب الله» والحدّ من أجندته الإيرانية.

 

كان همّه وهدفه من «حرب تموز» ليس إسرائيل، ولكن لبنان المفترض ترويضه بالاغتيالات والتفجيرات وإزاحة من يتصدّى لتثبيت النفوذ الإيراني، واستخدام الأرض اللبنانية ساحةً لصراعات المصالح والابتزازات الإقليمية والدولية تحت غطاء المقاومة المشروعة لإسرائيل، ولكن لأهداف تتخطّى لبنان وتتخطى النزاع العربي الإسرائيلي.

 

ولأن السنيورة كان حجر عثرة، عشنا وشهدنا ما شهدناه وصولاً إلى يوم النصر المجيد في «7 أيار» 2008، واتفاق الدوحة والثلث المعطل في الحكومات المتعاقبة فإلى شل البلاد وإفلاسها عبر إيصال ميشال عون إلى كرسي الرئاسة…

 

اليوم يمكن استيعاب ما عشناه وشهدناه، مع إرساء «حزب الله» أسس هذه المنظومة ودعمها وحفظها وصونها وتأمين كتلها النيابية، ليحرّكها كيفما شاء، ويترك لها أن تدمّر لبنان عبر أحزابها التي لا تملك من مقوّمات الأحزاب إلا اسمها واعتمادها على الزعيم الطائفي…

 

اليوم نفهم لماذا لا يمكن لسياسي مثل فؤاد السنيورة أن يكون في أي موقع في السلطة… ربما وببساطة لأنه يكشف هذا السعي إلى مصادرة الدولة ورهنها لمصلحة إيران… وربما لأنه لا يؤمن بمثل هذه الأحزاب ولا يريدها في الأصل… وهو الذي ينفي جملة وتفصيلاً أي مسعى لتأسيس حزب يغلّب مصلحة فئوية على مصلحة وطنية.

 

اليوم نفهم كل خطابات نصر الله منذ جريمة اغتيال رفيق الحريري.

 

يكفي أن نسمع خطابه الأخير لنعرف أنّ ما أراده من قتل الدولة اللبنانية، حقّقه… ولا لزوم للتشدّد بعد اليوم… لنسمع الكلمة… ولا نفكر بقرار يضمن مصلحة لبنان مثل القرار 1701… ونكتفي باتفاق مجهول الهوية ومتخم بالإلتباسات… ونلبّي النداء للفرح والبقاء في حالة هدوء واسترخاء…