IMLebanon

عون يرعى «الترسيم» بصفته العسكرية

 

منذ اعلان رئيس مجلس النواب نبيه بري «الإتفاق الإطار» للتفاوض على ترسيم الحدود البحرية والبرية بين لبنان واسرائيل، التي ستبدأ في 14 الجاري في الناقورة، بوساطة الولايات المتحدة الاميركية ورعاية الامم المتحدة، تكثر التفسيرات والتحليلات حول طبيعة هذه المفاوضات والاتفاقات المتوقع ان تسفر عنها. وقد ذهب بعض اصحاب التحليلات واكثر من جهة سياسية، الى توقّع ان تفضي الى «معاهدة سلام» او الى «تطبيع» بين لبنان واسرائيل، يندرج ضمن حلقات التطبيع الجارية بين اسرائيل وبعض الدول العربية. بل انّ البعض ذهب الى «شيطنة» ثنائي حركة «أمل» و»حزب الله»، واتهامه بعقد «صفقة» مع اسرائيل عبر الولايات المتحدة الاميركية، تبدأ بترسيم الحدود وتنتهي بالحكومة اللبنانية المزمع تأليفها.

ولا تنتهي التحليلات عند هذا الحدّ، بل تتجاوزه الى النقاش في صلاحية رئيس الجمهورية لرعاية هذه المفاوضات، خالطة بين صلاحياته التفاوضية السياسية الديبلوماسية التي تتعلق بالمعاهدات الدولية، وبين صلاحيته التفاوضية العسكرية التي تتعلق بالاتفاقات والمعاهدات العسكرية.

 

فمفاوضات الناقورة، حسب قطب نيابي بارز، سيرعاها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وفق الصلاحيات التي ينيطها به الدستور بصفته «القائد الاعلى للقوات المسلحة التي تخضع لسلطة مجلس الوزراء»، لأنّها مفاوضات ذات طبيعة عسكرية وليست ذات طبيعة سياسية، فما يسود بين لبنان واسرائيل هو حالة حرب، ولا تربط بينهما أي اتفاقات سلام لا في الماضي ولا في الحاضر، وانما تسود «اتفاقية الهدنة» المعقودة في آذار 1949 والتي انتهكتها وتنتهكها دائماً ويومياً منذ ذلك التاريخ، مع كل ما تلاها من تفاهمات وقرارات دولية من القرار 425 وصولاً الى القرار 1701.

 

وما يدفع هذا القطب النيابي الى سرد هذه المعطيات، هو وجهتها النظر اللتان تتجاذبان هذه المفاوضات، لجهة طبيعتها وصلاحية الجهة اللبنانية التي سترعاها:

 

وجهة النظر الاولى، تقول انّ رئيس الجمهورية سيرعاها بموجب المادة 52 من الدستور التي تنصّ في فقرتها الاولى على الآتي: «يتولّى رئيس الجمهورية المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها بالاتفاق مع رئيس الحكومة. ولا تصبح مبرمة إلّا بعد موافقة مجلس الوزراء، وتطلع الحكومة مجلس النواب عليها حينما تمكنها من ذلك مصلحة البلاد وسلامة الدولة. أما المعاهدات التي تنطوي على شروط تتعلق بمالية الدولة والمعاهدات التجارية وسائر المعاهدات التي لا يجوز فسخها سنة فسنة، فلا يمكن إبرامها إلاّ بعد موافقة مجلس النواب».

 

اما وجهة النظر الثانية، فتقول، انّ هذه المفاوضات هذه ذات طابع عسكري، وسيرعاها رئيس الجمهورية بصفته «القائد الاعلى للقوات المسلحة»، ولا تنطبق عليها احكام المادة 52 من الدستور، وإنما تنطبق عليها احكام المادة 49 في فقرتها الاولى التي تنصّ على الآتي: «رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن. يسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه وفقاً لأحكام الدستور. يرئس المجلس الأعلى للدفاع، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة التي تخضع لسلطة مجلس الوزراء».

 

وينطلق القطب النيابي من هذين النصّين الدستوريين ليؤكّد انّ مفاوضات الناقورة ليست مفاوضات سياسية ومن طبيعة دولية، وانما هي من طبيعة عسكرية، على رغم محاولة الجانب الاسرائيلي ان يسبغ عليها الطبيعة السياسية الاولى، اي الطابع الديبلوماسي، بدليل طبيعة الوفد الذي شكّله لهذه المفاوضات، والذي يضمّ ستة أعضاء بينهم المدير العام لوزارة الطاقة أودي أديري، ورؤوفين عازر المستشار الديبلوماسي لرئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو، ورئيس دائرة الشؤون الاستراتيجية في الجيش.

 

فلبنان واسرائيل لا يتفاوضان سلمياً الآن، وانما هما في حالة حرب يتفاوضان عسكرياً بنحو غير مباشر، من اجل تحقيق مكاسب مشتركة في لحظة من لحظات الحرب السائدة بينهما. ولذلك، فإنّ الوفد اللبناني الذي سيرأسه ضابط كبير في الجيش اللبناني، ليس ذاهباً الى مفاوضات لعقد معاهدة سلام، وانما للتفاوض على موضوع عسكري محدّد، وهو تحديد إحداثيات المنطقة الاقتصادية اللبنانية الخالصة، لكي يتسنى للبنان استخراج النفط والغاز من مربعاته البحرية وضمان عدم حصول اشتباك مع اسرائيل، من شأنه أن يصعّد الحرب بينها وبين لبنان. وفي هذه الحال، فإنّ رئيس الجمهورية سيرعى هذه المفاوضات، ليس بمنطق المادة 52 من الدستور وانما بمنطق المادة 49 منه، التي تعطيه صلاحية وصفة «القائد الاعلى للقوات المسلحة التي تخضع لمجلس الوزراء». ولذلك سيكون الوفد اللبناني الى هذه المفاوضات وفداً عسكرياً برئاسة ضابط كبير، ويخضع لتوجيهات رئيس الجمهورية بصفته العسكرية الدستورية. والتفاوض المنتظر هو تفاوض موضعي بين عدوّين تسود بينهما حالة حرب، وليس بين دولتين ذاهبتين الى مفاوضات تهدف الى عقد معاهدة اتفاق سلام بينهما.

 

ويرى القطب، انّ من الضروري ان لا يأخذ الرأي العام اللبناني بأي من المغالطات التي يروّجها البعض، من أنّ لبنان ذاهب الى «تطبيع» او سلام مع اسرائيل، فيما هو في الواقع ذاهب الى مفاوضات يريد منها رعاتها الاميركيون والامميون، تحقيق مصلحة مشتركة للبنان ولاسرائيل، في لحظة من لحظات الحرب السائدة بينهما، ولو كان الامر غير ذلك لما تمّ اختيار مقرّ قيادة قوات الامم المتحدة («اليونيفيل») في الناقورة، لخوض هذه المفاوضات. إذ لو كان المُراد منها عقد اتفاقية تطبيع او سلام لكانت جرت في مكان آخر، ولما كان لبنان اختار لها وفداً عسكرياً سيخوض تفاوضاً غير مباشر مع الجانب الاسرائيلي بوساطة الاميركيين وبرعاية الامم المتحدة. وإذا كانت اسرائيل قد اختارت وفداً يغلب عليه الطابع السياسي الديبلوماسي والامني، فهذا شأنها، ولن يغيّر من طبيعة هذه المفاوضات العسكرية المحدّدة الهدف، اقلّه من جانب لبنان، وهو ترسيم الحدود البحرية والبرية، لكي يتمكن لبنان من استخراج ثروته الغازية والنفطية، بمعزل عن اي عوامل حربية، لو برزت لن تكون لمصلحة اسرائيل قبل لبنان.