IMLebanon

ورقة الترسيم وتوظيفها في الحكومة

 

 

في موازاة “أجواء التقدّم” التي يحرص الرئيس المكلّف تأليف الحكومة سعد الحريري على الإشارة إليها، عن مداولاته مع الرئيس ميشال عون حول تأليف الحكومة في ظلّ التكتّم الذي اتفقا عليه، يبدو أنّ وسيلة السرّية تهدف إلى حماية جهود معالجة التباينات بينهما في شأن تركيبتها، بعيداً من الضوضاء التي كانت تسود تأليف الحكومات سابقاً.

 

حرص الحريري على لقاء شبه يومي مع رئيس الجمهورية يهدف إلى إحاطته بالتشاور المستمرّ، لأنّ في بطانة الأخير من يسرّ في أذنه أفكاراً قد تغيّر من توافقه مع الرئيس المكلّف على أمر جرى حسمه أو ترجيحه.

 

توحي اللقاءات المتتالية بين الرئيسين بمتانة الأجواء الإيجابية التي يُروَّج لها. إشاعة هذه الأجواء لها نتيجة منطقية، هي أنّ الحكومة ستنجز خلال ساعات. إلا أنّ البعض يقرأ في البيانات التي صدرت عن المكتب الإعلامي في الرئاسة لنفي تسريبات حول توليفة الحكومة وتوزيع الحقائب والمداورة، على أنّها في الوقت نفسه، ردّ على إشاعة الحريري الأجواء الإيجابية.

 

خِلافاً للإفتراض القائل بأنّ عون يبدي ليونة، لاعتقاده بأن مواصفات الحريري للحكومة ستسهّل تحقيق إنجازات تُعيد الإعتبار إلى عهده المتراجع بعد إخفاقات السنوات الأربع الماضية، وأن تعوّض ما فاته في السنتين الباقيتين، فإنّ التعويض الذي يراه هو أن تكون له الكلمة الفصل في قرارات المرحلة المقبلة. وهو ما زال على اعتقاده بأنّ الآخرين أفشلوه، وسيتعاطى مع الحريري بتشدّد، وأبلغ من يلزم بأنّه لن يوقّع أي تشكيلة حكومية يحملها الحريري إلا بعد وضوح في برنامج الحكومة، وخريطة الطريق التي ستسلكها، على أن يتضمّنها برنامج مفصل يتناول الترجمة العملية للخطوات التي أوردتها المبادرة الفرنسية، سواء لإقرارها في الحكومة أو لإنجازها في البرلمان. وفي مقدّمة ما يحرص عليه عون تسهيل التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان، بحثاً عن ممسك على الحاكم رياض سلامة، رافضاً بقاءه في منصبه مهما كلّف الأمر خلال السنتين المقبلتين. وهو لذلك أرسل الأربعاء إلى لجنة المال والموازنة مشروع قانون لتعديل قانون النقد والتسليف، يسمح للشركة المدقّقة بحسابات المصرف بالحصول على المستندات المطلوبة بغضّ النظر عن قانون السرية المصرفية. وإذا كان الحريري أنجز مع فريقه وبعض نواب كتلته لائحة بالإجراءات العملية لترجمة الورقة الفرنسية لتضمينها البيان الوزاري للحكومة، مع جدول زمني لتنفيذها، فإن عون، حسب قول العارفين بتوجّهاته، يريد التدقيق بأسماء الوزراء ويصرّ على تسمية الوزراء المسيحيين من دون تدخّل الحريري.

 

أما بالنسبة إلى استثناء الحريري حقيبة المال من المداورة لمصلحة وزير شيعي، فإنّ رئيس الجمهورية ما زال على رفضه ذلك، تاركاً موقفه النهائي في هذا الشأن إلى حين أن يأتي الرئيس المكلّف إليه باقتراحه. أي أن عون يحافظ على أجندته خلافاً لآمال البعض بغير ذلك.

 

صحيح أنّ باريس وواشنطن أبلغتا القيادات بمن فيهم عون، بأنّ الوقت يلعب في غير مصلحتهم، إلا أنّ عون حمل ورقة الانفتاح على المطالب الغربية ولا سيما الأميركية، بتولّيه مسؤولية مفاوضات ترسيم الحدود واعداً بإنجازها في سرعة، مع حرصه على التمايز عن “حزب الله” في تركيب الوفد المفاوض، لتعزيز موقعه، وتفادي عقوبات جرى التلويح بها على جبران باسيل.

 

مقابل التأييد الأميركي لرئاسة الحريري للحكومة، يمسك عون بورقة الترسيم وتقدير واشنطن لانفتاحه عليها، وسيلة يعتقد أنها تدفع الحريري إلى التعاون مع ما يريده في الحكومة.