IMLebanon

نواب التشريع… ونواب الشارع

 

إسمه «السلطة التشريعية» أي «المطبخ الذي يتم فيه التشريع»، ولكن بنظرة فاحصة إلى الوجوه والسير الذاتية لمعظم النواب الجدد، يتبيَّن لأي مدقِّق أن معظم الـ128 نائباً الذين يتألف منهم مجلس النواب، التشريع منهم براء.

 

نائبٌ يطلب الكلام، ويقرأ لرئيس المجلس بنداً في النظام الداخلي، ويطلب تفسيراً منه، وكأنه يقرأ في النظام الداخلي للمرة الأولى علماً أنه نائب منذ العام 2009 أي منذ 13 عاماً.

 

نائبٌ آخر «يفتح دكانة اجتهادات» فيُفتي بأن الأوراق الملغاة لا تُحتسَب من النصاب، بمعنى أن كل ورقة ملغاة تُسقِط نائباً من عدد الحضور فتنقص الأغلبية المطلوبة للفوز.

 

نائب ثالث انسحب من الترشح لأمانة السر، لأن الترشح يتم وفق التوزيع الطائفي، ونسي أنه ترشح إلى النيابة وفاز وفق التوزيع الطائفي.

 

الصامتون «استهابوا الجرصة» فكم واحد منهم قرأ الدستور وفهم بنوده، وكم واحد منهم يحمل شهادة في الحقوق أو في القانون؟

 

أين حسن الرفاعي؟ أين مخايل الضاهر؟ أين نصري المعلوف؟ أين خاتشيك بابيكيان؟ أين أوغست باخوس؟ أين إدمون رزق؟ أين ريمون إده؟ أين بهيج طبارة؟ أين عبدو عويدات؟ أين شاكر أبو سليمان؟

 

اللائحة تطول وتطول، وليس بالإمكان تعداد جميع المشرّعين على مدى المجالس النيابية المتعاقبة، والتعداد يدعو إلى التحسر. حتى لقيادة سيارة، ولنيل رخصة سوق، يحتاج المرء الى امتحان، فكيف «لقيادة وطن تشريعياً، ألا يحتاج مَن سيضع يده على «المقود التشريعي» لنيل «حاصل الثقافة الدستورية» قبل الحاصل العددي؟

 

حتى في المجالس النيابية ما بعد الطائف، وحين كان اللواء غازي كنعان «يركِّب لوائح ويسمي منها نواباً»، كان هناك نواب مشرِّعون، اليوم تفتِّش «بالسراج والفتيلة» فلا تعثر على مشرِّع إلا في ما ندر، فيما تعثر على 128 نائباً.

 

هناك كتلٌ ليس فيها نائب واحد يفهم في التشريع.

 

وهناك نواب مستقلون لا يعرفون ما هو التشريع. نحن في زمن «القحط التشريعي»، فكيف سيواكب هذا المجلس مشاريع واقتراحات قوانين يتعلَّق بها مستقبل لبنان؟

 

بدا مجلس النواب، في مشهديته الأولى، كأننا أمام «مدرسة محو الأميّة»: «طلاب» لا يعرفون ماذا يفعلون، وينتظرون من «الأستاذ» أن يبدأ بتعليمهم «التهجئة»، والمشاهدون يسألون: هل مدرسة «محو الأمية» في ساحة النجمة، تحتاج إلى أربع سنوات ليُنهي الطلاب «اختصاصهم»؟.

 

لم يعد «شر البليّة ما يُضحك» بل «ما يبكي»… نحن أمام مشهدٍ مأسوي: نوابٌ التبس عليهم الأمر فضاعوا بين الطريق إلى التشريع والطريق إلى الشارع، واعتقدوا أن المداومة في الشارع تعفيهم من مسؤوليات التشريع.