IMLebanon

رغم سياساتها المتقلبة في المنطقة: شكراً تركيا

 

 

مؤتمر الدول الإسلامية الذي انعقد في تركيا بدعوة من رئيسها أردوغان، كان الشعلة الوحيدة التي تبدّت للملأ العربي والإسلامي وسط هذا الظلام الداكن والركود المذهل في المواقف العربية، كأنما بعد كل هذه السنوات الطويلة التي مرّت على نشأة إسرائيل، نكاد أن ننسى، إن لم نكن قد نسينا فعلاً، أن هناك قضية عربية إسمها فلسطين، ومدينة إسلامية- عربية مقدسة إسمها القدس والمسجد الأقصى.

الإنتفاضة الوحيدة التي واكبت انتفاضة سكان غزة، إنطلقت من أنقرة التي قطعت العلاقات مع إسرائيل واستدعت سفيرها وطردت سفير إسرائيل لديها، إحتجاجا على نقل الولايات المتحدة لسفارتها إلى القدس، واستهوالا لحجم المذابح الصهيونية بحق السكان الغزّاويّين الذين جابهوا الإجرام الإسرائيلي بالحجارة والطائرات الورقية، فووجهوا بإطلاق النار والأسلحة المطاطية وقنابل الغاز عليهم حيث أوقعت فيهم آلافا من الشهداء والمصابين. وكالعادة، المسؤولون العرب عموما بمعظم حكوماتهم ومؤسساتهم جابهوا اقتلاع المسجد الأقصى من صلب الأرض العربية ونقل السفارة الأميركية إلى القدس توطئة لمزيد من عمليات قضم القضية بل وقضم العالم العربي معها وفقا لأسلوب ترامب وأيديولوجيته الصهيونية، فكانت المواجهة مجرد مواقف خطابية تصلح للمهرجانات الإنتخابية المحلية وعلى شاكلة هؤلاء المسؤولين وكل الحكومات كانت المواقف الشعبية مختبئة في حنايا التراجع الشديد في المواقف الحيّة والساخنة تجاه القضية الفلسطينية ومأساة الشعب الفلسطيني وطموحات الشعوب العربية إلى استعادة الوطن السليب. ومع أن كثيرين يجنحون إلى اعتبار أردوغان ينتهج في هذه الايام بالذات أسلوباً في التعامل مع الأحداث بما فيها أحداث القدس وغزة، بما يلائم جموحاته الإنتخابية، وبما يخدم بشكل خاص طموحات بلاده إلى طمس الخطر الكردي الذي يهددها بشتى أنواع المخاطر، كما يخدم أيضا إتجاهه شبه العدائي المتوجه إلى معارضه أنواع التصرفات الأميركية المضرة بمصالحه ومصالح بلاده، فضلا عن توجهه بشكل واضح إلى التماشي مع روسيا ومع مصالحه الإقتصادية والإقليمية معها بعد أن فرضت وجودها الساحق في سوريا وشكلت للأسد، الدرع الواقي له ولنظامه، من شرّ السقوط الذي كاد أن ينزلق فيه بامتياز، لولا العون الروسي، والمساندة الوثيقة من قبل إيران والميليشيات الشيعية الخاضعة لسلطة الحرس الثوري والتي تمادت في اقتحامها لكثير من دول العالم العربي، دون أن تخفي مراميها المذهبية والقومية الفارسية فألحقت بها من فصول الدمار والخراب والتهديد المنظم لوجودها وكياناتها العربية والإسلامية وقد وصلت في ذلك إلى حد مساهمة في حرب اليمن تنفيذا لطموحات شريرة تحاول من خلالها اقتحام الأمن العربي السعودي والخليجي توطئة لاستكمال أطماعها في المنطقة سواء في دول الخليج أم في منطقة الشرق الأوسط، حيث تدفع باتجاه تنفيذ أهدافها التوسعية بالوكالة عنها وعن حرسها الثوري، وحيث باشرت فعلا بمعاونة روسيا في تنفيذ عمليات الفرز السكاني وتهجير السوريين إلى داخل وخارج سوريا، والإستيلاء على الأملاك الخاصة بالسوريين الذين اضطرتهم الظروف السائدة في بلادهم إلى الهروب منها بالملايين، وها هو النظام السوري يمعن في مظالمه ويساهم إلى أقصى الحدود في تسهيل عمليات نقل الملكية العقارية إلى عناصر الحرس الثوري وأتباع إيران في المنطقة، تحت شعار لا مثيل له في الكون: إن الأرض هي لمن يدافع عنها، لا لمن يهرب منها!!

وإذ نشيد بالموقف التركي فيما تعلق بتصرفات الولايات المتحدة وإيران بصدد وضعية القدس والمسجد الأقصى وعمليات القتل الجماعي في غزة، ونرى فيها جرأة وتحرّكا في مكانه، لم يجرؤ العرب على أن يقوموا بمثله حتى الآن، مكتفين بالخطابات والتصريحات والتصرفات القولية والنظرية، فإننا نلحظ في الوقت نفسه، أن تحّولات كبيرة طرأت على الموقف التركي فيما تعلق بمواقفه مع سوريا ومع نظام الاسد، حيث شكّل ما يشبه التحالف مع قوى أخرى في طليعتها روسيا، وقد انطلق معها في عمليات مشتركة مؤسفة أدت بالنتيجة إلى كل ما لمسناه من عمليات التهجير والفرز السكاني والمكاني، وفي مطلق الأحوال يبقى للأتراك حرصهم على ألاّ تتجاوز تصرفاتهم واقعا معينا يسعون من خلاله إلى تلقّي أضرار كيانية قد تلحق ببلادهم من خلال تحقيق أطماع الخارج والداخل الكردي بهم وبسيادتهم على أراضيهم ووحدة بلادهم ودولتهم، آملين ألاّ ينسوا أن الإغراق في التعاون المفرط مع المواقف الروسية والإيرانية، سيرفع البلاء الخارجي عن تركيا، ويلقي به في وجه السوريين وثورتهم التي ابتلعها الخارج الروسي والإيراني، ولو إلى حين، فما يجري في المنطقة في هذه الأيام يثبت، أن هناك شعبا سورياً ومطامح وطنية سورية تعبق بها الأجواء العامة، التي ما زالت قابعة في حنايا وطن أخضعه الإستعمار الحديث إلى كل هذه المصائب التي لا بد لها وأن تنعكس في يوم من الأيام بما يعيد المسيرة السورية إلى طريقها القويم، وبالنتيجة، لا يصح إلاّ الصحيح… آملين أن يصحح الجميع سياساتهم تجاه سوريا المنكوبة، ومن بينهم السياسة التركية التي نرجو أن تستقر على حالٍ تجنبها المصاعب التي يلاقيها الأتراك في بلادهم وعلى حدودهم في الوقت نفسه الذي لا تؤدي جملة المصالح الإقليمية والدولية إلى تمزيق الكيان السوري وتقطيعه إرباً إرباً ودويلات تسهم في إغراق الوطن العربي في مزيد من الويلات. صحيح أن ردات الفعل العربية شبه غائبة حتى الآن، ولكن ليس بإمكان أحد أن ينكر أن صحوة الشعوب لا بد وأن تعود إلى ساحة الأحداث ومن دواعي هذه اليقظة، المرتقبة اشتداد الأزمات والمخاطر، ولعل في القول المأثور: اشتدّي أزمة تنفرجي، بعض الضوء والأمل.