IMLebanon

القرارات الشجاعة في زمن الأزمات!

 

تستمر الكورونا باجتياح العالم وسط عجز شامل من قبل اكثر الأنظمة تطوراً علمياً وطبيّاً، مع مخاوف متنامية من تأثير هذه الجائحة على الاقتصاد العالمي، حركة التجارة وخاصة الغذاء، إضافةً لفقدان الملايين من الوظائف بفعل افلاس إعداد هائلة من المؤسسات حول العالم… إلا ان معظم الحكومات قد خصصت مبالغ هائلة من ميزانياتها لدعم المؤسسات الصغيرة وأصحاب الدخل المحدود وكل من طالته عواقب هذا الفيروس في لقمة عيشه! أما في لبنان، لطالما كانت القاعدة معكوسة: لقد هبّ المجتمع المدني لنجدة الدولة المفلسة وسد ثغراتها اللامتناهية… فتم جمع مبالغ كبيرة لدعم المؤسسات الطبية والعاملين بها والذين يشكلون خط المواجهة الاول لهذا الوباء، كما ان الجمعيات الخيرية قد جندت طاقاتها ومواردها لتقديم المساعدات العينية للعائلات الفقيرة والتي تتضاعف اعدادها بشكل يومي، إضافةً لكل المياومين الذين باتوا عاجزين عن تأمين قوتهم بحده الأدنى بسبب التزامهم الحجر المنزلي.

 

انها أزمة عالمية دون شك، ولا يمكن ان نأمل من حكومة تحمل أوزار طقم سياسي فاسد وفاشل أفلس البلد وعجز عن تحييده عن الصراعات المحيطة به، ان تكون قادرة على المواجهة كسائر الدول، الا ان الاستسلام للواقع ممنوع من جهة، والتسليم الأعمى للقوى السياسية من جهة اخرى مرفوض، فخطوات مواجهة الكورونا التي اتخذت، ولو كانت متأخرة، الا انها حاولت احتواء العدوى واتبعت الخطوط العريضة للبروتوكولات العالمية المتفق عليها، ويبقى الاستمرار بالتشدد بتطبيق القوانين وارشادات التباعد الاجتماعي منعاً لتفشي الفيروس، اما دعم الصناعات المحلية فهو واجب، خاصةً التي تحاول تأمين أدوات المواجهة الطبية، من اجهزة التنفس والكمامات وسائر المستلزمات، إضافةً لمصانع المواد المعقمة والمحارم وحتى المواد الغذائية، والتي من شأنها جميعاً ان تحافظ على الكثير من الوظائف من جهة، وتسد حاجة السوق المحلي من دون ان تخسر العملة الصعبة لفتح الاعتمادات وانتظار الاستيراد الذي بات مستحيلاً في هذه الازمة العالمية الخانقة! وبالتالي لا بد من خطوات جادة لتقديم كل الدعم لهذه الصناعات من إعفاءات وحوافز تعينها على الاستمرار.

 

اما الملفات الملحة من كهرباء وسياسة نقدية للخروج من أزمة الدولار وفك قبضة المصارف على رقاب المودعين، فهذه لا تزال في خانة الممنوعات والتي تحتكر الأحزاب القرارات فيها، وصولاً الى تعيينات نواب حاكم مصرف لبنان، فقد اثبتت الحكومة انها اعجز من الخروج من المظلة السياسية والانتقال الى رحاب التكنوقراطية المستقلة، في حين انها قرارات باتت في موقع التحصيل الحاصل واكثر من ضرورية  لتقدم بعض الانفراج المالي والاقتصادي واستعادة بعضاً من الثقة الدولية، والتي يحتاجها لبنان لإعادة الحياة الى دورته الاقتصادية المشلولة منذ عدة اشهر.

 

في ظل الازمة الخانقة وكارثة الكورونا الصحية المستجدة والطويلة الامد، حتى الساعة اقله، لا يمكن الرضوخ لأية موانع توضع بوجه الحكومة تمنعها من اتخاذ القرارات الضرورية للخروج من هذا النفق كجزء من العالم وليس كأداة بيد محور ضد آخر…فقدرة اللبنانيين على تسديد الفواتير نفذت، والعالم بأسره اليوم سوف يخرج من هذه الجائحة بواقع اقتصادي جديد، مختلف الاولويات وأكثر صرامة تجاه الدول المارقة والتي لا تمتثل لتوصيات المؤسسات الدولية  لتحصل على المساعدات والنصح حتى تصل الى شاطئ الأمان، خاصة ان لبنان يصارع بحراً هائجاً في قارب صيد مخترق من اكثر من جهة!

 

لم يفت الأوان على هذه الحكومة لإثبات بعضاً من الاستقلالية واتخاذ القرارات الوطنية دون محاباة، وإلا فهي تحكم على نفسها بالسقوط في مستنقع الفشل كسابقاتها، وترمي بالوطن الصغير الى التهلكة.