IMLebanon

الحكومة بين خيار الصندوق وخيار المقاومة

 

في الوقت الذي ينشغل فيه العالم في البحث عن الوسائل التي تحمي شعوبه من المخاطر «الوجودية» لجائحة «كورونا»، يواجه الشعب اللبناني مخاطر وهواجس إضافية جرّاء مفاعيل الأزمة المالية والاقتصادية، وما تركته من تساقطات على حياته اليومية.

 

والخطير في أمر اللبنانيين انهم وكعادتهم يواجهون هذه الأزمة «الوجودية» المزدوجة بمزيد من الخلافات السياسية، وخصوصاً حول الانتخابات الرئاسية المقبلة، أو حول الاختيار ما بين المحور الإيراني – السوري أو محور الممانعة والمحور الغربي بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها من الأوروبيين والعرب، وسيؤدي هذا الخلاف بين المحورين إلى مزيد من الاضرار الاقتصادية والاجتماعية، هذا بالإضافة إلى إضاعة الفرصة الوحيدة المتاحة لمساعدة البلد سواء عبر القروض التي يُمكن أن يقدمها صندوق النقد الدولي ومؤتمر «سيدر» أو عبر المساعدات التي ينتظرها لبنان، مستقبلاً من الدول العربية الخليجية.

 

ان الفرصة الوحيدة المتاحة أمام لبنان للحصول على مليارات الدولارات من القروض المسهلة، هي من خلال اللجوء إلى صندوق النقد الدولي، والذي أثبت قدرته ونجاحه في إخراج العديد من الدول من أزماتها المالية والاقتصادية الخطيرة، ومن أقربها إلى لبنان الازمتين اليونانية والبرتغالية. وبات من البديهي بأن لبنان لن يحصل على القروض الموعودة من مؤتمر «سيدر»، الا إذا نجح في مشروعه الاصلاحي بدعم ورعاية صندوق النقد. لكن يبقى السؤال الأساسي والجوهري حول مدى قدرة لبنان على النجاح في مفاوضاته الجارية مع صندوق النقد الدولي، في ظل الخلافات المستحكمة ما بين الحكومة وحاكمية مصرف لبنان من جهة، وفي ظل الازدواجية التي يمارسها حزب الله في خياراته ما بين القبول بالحل الذي ترعاه أميركا، والحل المرتبط بمحور المقاومة والممانعة وتوظيفه بالتالي لصالح سوريا وإيران في المواجهة الجارية على مستوى الإقليم؟

 

صحيح ان حزب الله الذي أعلن في البداية معارضته «لرهن» لبنان لصندوق النقد، ووضعه بالتالي تحت مظلة النفوذ الأميركي، لكنه عاد واعطى ضوءاً أخضر لحكومة دياب للتوجه بطلب اجراء مفاوضات مع الصندوق، وذلك بعد ان اقنعوه بأن مصير الحكومة، والوضع المالي والنقدي والمعيشي يرتبط بصورة مباشرة ومؤكدة بالحصول على القروض التي يقدمها الصندوق، وهكذا جاءت توجيهات الحزب للشروع بالمفاوضات، ولكن دون أية جهوزية لتأكيد قبوله بنتائج هذه المفاوضات وما ستفرضه من ضوابط على خيارات لبنان السياسية والاستراتيجية والأمنية، وما سيتركه ذلك من تأثيرات على خيارات ومستقبل محور الممانعة والمقاومة.

 

بمعزل عن حاجة لبنان للقروض المالية التي يمكن أن يقدمها الصندوق، فإن حزب الله سيحتفظ بشكوكه وهواجسه تجاه ما يُمكن أن تحمله هذه الصفقة من تدابير وإلزامات وضغوط عليه وعلى كل من سوريا وإيران، والتي ستفوق في مفاعيلها المباشرة مفاعيل العقوبات المالية التي جاءت نتيجة تجاوب حاكم مصرف لبنان وأصحاب المصارف مع سياسة العقوبات الأميركية ضده وضد حليفيه في دمشـق وطهران.

 

وفي عودة إلى ربط الموقف الحالي للحزب تجاه المفاوضات فإنه لا يُمكن استبعاد ربط الخلاف بين رئيس الحكومة وبين حاكم مصرف لبنان، بأنه قد جاء لتلبية توجه حزب الله إبعاد حاكمية مصرف لبنان عن الخطة المالية التي سيتقدم بها لبنان للمفاوضات، وبالتالي حرمان الحاكم من لعب دوره، والذي يفترض أن يكون محورياً في المفاوضات، يبدو بوضوح بوجود رغبة لدى حزب الله بأن تقود الحكومة المفاوضات وان يكون لها كلمة الحسم في ما يقبله وما يرفضه لبنان من مطالب وشروط، وهو يرفض بالتالي أن تأتي الصفقة مع الصندوق كنتيجة لحل توافقي يُشارك فيه الحاكم وأصحاب المصارف والهيئات الاقتصادية، وذلك انطلاقاً من قناعته بارتباط هذه المجموعات بالرأسمالية الغربية، وبخضوعها كلياً للنفوذ والإرادة الأميركية. من هنا فإنه من البديهي ان يتابع الحزب تفاصيل كل ما يجري في المفاوضات مع الصندوق، وكل ما يتخذه مجلس الوزراء والمجلس الاعلى للدفاع من قرارات تؤدي إلى الاضرار بدور المقاومة أو بمصالح حلفائها في دمشق وطهران، وهذا بالفعل ما أكدته مواقف السيّد حسن نصر الله في معرض نقضه لمقررات مجلس الوزراء ومجلس الدفاع في ما يعود للانتشار على الحدود اللبنانية – السورية منعاً لأي تفكير بإمكانية تدويلها، أو نشر الجيش اللبناني بقوة وفعالية من أجل اقفالها، بحجة منع التهريب. وكان اللافت في هذا السياق توجيه السيّد نصر الله للانفتاح على سوريا كخطوة أساسية على طريق تحفيز الاقتصاد اللبناني للاستفادة من السوقين السورية والعراقية.

 

في الواقع لا يملك حزب الله أي خيارات يمكن ان تنقذ لبنان من أزمته المالية والاقتصادية والمعيشية، وعليه ان يُدرك بأن لبنان لا يملك الموارد التي تسمح له لمواجهة نتائج الخلل الحاصل في ميزان المدفوعات، وانه بات بأمس الحاجة لقروض ومساعدات للنهوض اقتصادياً وإعادة تعويم قطاعه المصرفي. لبنان ليس إيران وليس سوريا، واللبنانيون يُدركون مدى خطورة اعتمادهم للمحور المقاوم، وما هي النتائج المترتبة عليه، والتي ستؤدي حتماً إلى عزل لبنان دولياً وعربياً، مع إمكانية الدفع حتماً نحو حرب داخلية مدمرة.

 

في النهاية يبقى على الحكومة اللبنانية التحلي بشجاعة الموقف والاختيار في مفاوضاتها مع الصندوق ومع أطراف مؤتمر «سيدر» لإنقاذ لبنان وإذا كانت عاجزة عن اتخاذ مثل هذا الموقف الحاسم، فإن عليها الاستقالة في أقرب وقت ممكن، وقبل خراب البصرة.