IMLebanon

ماذا بعد؟

 

 

ماذا بعد أن تبين أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري جلب “حليب العصفور” لحكومة الرئيس حسان دياب هذه المرة وليس للرئيس سعد الحريري، لشدة ما بذله من جهد لأجل تأمين نصاب “إفتراضي”، عن طريق افتتاح جلسة مناقشة البيان الوزاري قبل اكتمال نصاب النصف زائداً واحداً أي الـ65 نائباً تحت قبة البرلمان ليكتمل عقده لاحقاً؟

 

عرّض بري نفسه لانتقادات وأسئلة، في الإعلام بداية، ثم في مواقف بعض السياسيين، نتيجة “التخريجة” التي ابتدعها، ومارس المونة على “الحزب التقدمي الاشتراكي” وعلى تيار “المستقبل” لضمان النصاب اللاحق، كي تمر الحكومة أمام المطهر الدستوري بالحصول على الثقة، فيما بدا أن النصاب كان أشد حضوراً في الشارع الذي شكلت تجمعات المحتجين في زواريبه وأوتسوتراداته ومفارقه الحدث الإبرز، بموازاة الأفلام البوليسية التي شهدناها على الشاشات لتمكين النواب من الوصول إلى ساحة النجمة.

 

بقدر ما كان حصول الحكومة على الثقة بـ63 صوتاً، أي أقل من نصف عدد أعضاء البرلمان حدثاً، فإن نزول المتظاهرين شباباً وكباراً في السن، بكثافة وإصرار، كان هو الحدث أيضاً.

 

وبقدر ما كان عجز الأكثرية التي كلفت الرئيس دياب تأليف الحكومة عن تأمين النصاب لانعقاد الجلسة حدثاً، أدى بالرئيس بري إلى الاعتماد على من هم في المعارضة لضمانه حدثاً، فإن التصويت خارج قاعة البرلمان العامة بدا أكثر دوياً وسط غابة التدابير الأمنية التي اتخذت، وكان هذا الأمر حدثاً بارزاً في التاريخ اللبناني، على رغم عدم تمكن المتظاهرين من منع النواب من الوصول.

 

وبقدر ما مارس الرئيس بري الجمباز السياسي من أجل تجنب العودة إلى الفراغ الحكومي، بقدر ما شكلت تحركات والتفافات المحتجين بين الشوارع والأزقة ومطاردة القوى الأمنية لهم، محطة سيبنى عليها في تحركات احتجاجية لاحقة من قبل قادة الانتفاضة.

 

ماذا بعد؟ لأن كل ما حصل وما قيل يضع الحكومة والبرلمان والانتفاضة الشعبية أمام الامتحان الفعلي بعد الآن.

 

تبين من بعض المداخلات النيابية أن بعض الأكثرية التي تدعم الحكومة وتقف وراءها يتهيب الموقف أمام الأزمة الاقتصادية المالية الفصلية التي يمر فيها البلد.

 

لفت قول رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد أن “هذه الحكومة لا تشبه فريقنا السياسي ولكن ولضرورة التأليف ارتضينا بها”، بما يعني أنه يأخذ سلفاً مسافة عنها على رغم الدور الرئيسي لـ “الحزب” في إنجازها وولادتها في الجهود التي بذلها مع حلفائه من أجل تشذيب طلباتهم التوزيرية، كي ترى النور. فـ “الحزب” يدرك جسامة المهمة التي بات هو في طليعتها بعدما كان يترك لغيره أن يكون في الواجهة.

 

كما لفت قول رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل أنه “إذا لم تستفد الحكومة من الفرصة، سنكون ضدها في مجلس النواب وفي الشارع”. أي أن باسيل الذي تنطح ليلعب دور عراب الحكومة ويحصل على الثلث المعطل فيها من خلال بعض الأسماء التي اقترحها، يحتاط منذ الآن لإمكان الفشل. فإذا كان هو أحد أضلع الأكثرية التي دعمتها، ماذا ترك للفرقاء المعارضين لها والذين هم خارجها؟

 

كما لفت التشخيص المفصّل لمداخلتي النائبين أنور الخليل وياسين جابر من كتلة الرئيس بري حول خطة الكهرباء والانتقادات لمرحلة تنفيذها.

 

ماذا بعد؟ لأن الثقة المطلوب كسبها من الخارج، الذي بدونه مهمتها “مستحيلة”، كما قال رئيس الحكومة، تتطلب تدرجاً في إجراءاتها. إذا صح ما قاله دياب عن أنها حكومة “اختصاصيين وغير حزبيين” فهل يمكنها أن تعطي إشارات سريعة للمجتمع الدولي، بأن تعين أعضاء مجلس إدارة الكهرباء والهيئة الناظمة للقطاع في أول جلسة تعقدها، من أجل تمكين نفسها من مخاطبة المجتمع الدولي، بإثباتها أنها لا تخضع للمحاصصة الحزبية التي تحكمت بهذا القطاع؟ وهل يمكنها في الأسبوع التالي أن تعين أعضاء الهيئات الناظمة في الطيران المدني والاتصالات، ونواب حاكم مصرف لبنان؟