IMLebanon

حكومة دياب هل تستحق الثقة؟

 

في الوقت الذي انتظر فيه اللبنانيون المنتفضون ضد الطبقة السياسية الغارقة حتى أذنيها في الفساد، إيجاد الترياق لأزماتهم الاقتصادية والمالية مع كل تساقطاتها السّامّة على أوضاعهم المعيشية، من خلال تشكيل حكومة من الاقتصاديين والاختصاصيين المستقلين، يبدو بأن الحكومة التي شكّلها الرئيس حسان دياب ليست سوى صورة مشوّهة عن الحكومة السابقة، حيث غابت عنها قوى سياسية كانت محسوبة سابقاً على معسكر 14 آذار، فاسحة في المجال لقيام حكومة اللون الواحد، والتي يسيطر عليها الثنائي الشيعي المتمثل بأمل وحزب الله، بعدما شكّل الرئيس برّي «العرّاب» المنقذ لعملية التشكيل، من خلال تطويعه لسلوكية الرئيس المكلّف.

 

كان اللافت مشاهدة رئيس الحكومة حسان دياب منفرداً ومستسلماً وهو يشارك في جلسة مجلس النواب لإقرار موازنة عام 2020، التي سبق وأعدّتها حكومة سعد الحريري قبل استقالتها، والتي يقارب فيها العجز الظاهر خمسة مليارات دولار. وكانت المفاجأة عندما قرأ الرئيس دياب بياناً أمام المجلس يتبنّى فيه أرقام الموازنة وكل مندرجاتها، في الوقت الذي كان يفترض فيه أن يدرك بأن هذا الإعلان يشكّل حكماً مبرماً بإعدام كل الآمال والتمنيات التي قدّمها عند تكليفه بتشكيل حكومة إصلاحية قادرة على تحقيق مطالب الثورة. لقد تأكدّت النتائج المترتبة على هذا الإقرار، بتوقيعه على الموازنة مع الرئيس بري أمس قبل رفعها لتوقيع رئيس الجمهورية. هذا يعني إلتزام الحكومة بموازنة لا تتعارض فقط مع وعود رئيسها، بل تتناقض مع كل إلتزامات لبنان، التي قطعتها الحكومات السابقة أمام المجتمع الدولي وأمام الدول والمؤسسات المشاركة في مؤتمر «سيدر».

 

بعد إجتماعات كثيفة ومتعددة للجنة الوزارية المكلفة باعداد مسودة البيان الوزاري، والتي حدد موعد إقرارها في جلسة مجلس الوزراء غداً الخميس، فقد حاولت المسودة الموضوعة محاكاة ودغدغة مشاعر جمهور الانتفاضة من خلال الادعاء «إنشائياً» تضمينها جميع مطالب الإنتفاضة السياسية والاقتصادية، بما في ذلك إعادة تكوين السلطة وهيكلة جديدة للدولة، ضمن روزنانة زمنية تمتد على ثلاث سنوات.

 

بعد ما يقارب أربعة أشهر من التظاهر والتضحيات التي قدّمتها الجماهير المنتفضة، خرج رئيس الحكومة بمشروع بيان وزاري لا يختلف عن البيانات السابقة في الوعود الفضفاضة لطلب الثقة، ومتوجّهاً إلى الشارع لإعطائه الفرصة اللازمة للبدء بتنفيذ هذه الوعود خلال مهلة مئة يوم، واستكمالها خلال فترة ثلاث سنوات. وهنا لا بدّ أن نتساءل عن مدى واقعية بقاء هذه الحكومة، مع كل ما تحمله من شوائب ووهن سياسي كونها حكومة اللون الواحد، لمدة ثلاث سنوات أي إلى نهاية عهد العماد عون. ولننتظر موعد جلسة الثقة للبدء بالحكم على مصير هذه الحكومة، وعلى مدى قدرتها على الاستمرار في السلطة، لمثل هذه الفترة الطويلة، والتي فشلت أقوى وأفضل الحكومات اللبنانية في تحقيقها.

 

تشكّلت هذه الحكومة في ظروف إستثنائية خلقتها ضغوط الشارع المنتفض ضد الطبقة السياسية الفاسدة، حيث نادت الجماهير بضرورة تشكيل حكومة من الاختصاصيين المستقلين من أجل حل المشاكل المالية والنقدية الطارئة ومحاربة الفاسدين واسترجاع المال المنهوب، والدعوة لانتخابات مبكرة لتجديد الطبقة الحاكمة. وكان من المفترض أن ينتهي دور هذه الحكومة الاستثنائية بمجرد انتخاب مجلس نيابي جديد. في هذا الوقت يشتم من البيان الوزاري بأن هذه الحكومة غير جادّة، ولا تملك النيّة أو التفويض للدعوة لانتخابات مبكرة خلال عام 2020. وهذا ما تؤكده مسودة البيان الوزاري الذي تحدث في آخره وبجملة مقتضبة عن نيّة الحكومة لوضع مشروع قانون انتخابي جديد، دون تحديد أية مهل أو دون الحديث عن الدعوة لانتخابات مبكرة، الأمر الذي يشكّل مطلباً أساسياً من مطالب الإنتفاضة.

 

في الواقع خلا البيان الوزاري في مضمونه القدرة على محاكاة أوجاع الناس في الشارع، حيث أنه لم يعالج أي من المواضيع والمشكلات التي شكّلت الأسباب المباشرة لإنطلاق الانتفاضة. في رأينا كان من المفترض أن يسعى البيان لاحداث صدمة إيجابية لدى اللبنانيين عموماً، وجمهور الإنتفاضة خصوصاً، من خلال التصدّي بشكل مباشر وفوري للأزمة المصرفية والنقدية، وضبط كل العمليات المصرفية، والتي بدأت تنعكس سلباً على حياة وكرامة اللبنانيين، مع كل ما يتطلّب ذلك من استرجاع أموال ضخمة جرى تهريبها للخارج. وكان يمكن أيضاً للحكومة إحداث صدمة إيجابية من خلال إثباتها بأنها تملك الرؤية والسلطة اللازمتين للعملية الإصلاحية بطلب استرجاع الموازنة المقدّمة من الحكومة السابقة وتعديلها، مع توفير ما يقارب خمسة آلاف مليار ليرة لبنانية وذلك من خلال قطع موازنات جميع مزاريب الهدر وعلى رأسها الصناديق وبعض المؤسسات والوزارات، مع الذهاب إلى إلغاء كل التوظيفات التي سبقت الإنتخابات الأخيرة. وكان من الممكن التدليل على إمتلاك هذه الرؤية الاصلاحية من خلال إعداد مشروعين لموازنة 2021 و2022، بحيث يكون العجز في نهاية الموازنة الأخيرة صفر بالمائة. وكان يمكن لهذه المبادرة أن تستعيد الثقة بالحكومة ورئيسها، على أساس أنه يملك الرؤية والتفويض اللازمين للخروج من الأزمة الخطيرة التي يجتازها لبنان.

 

في النهاية لا بد من التساؤل عن ما قدّمته هذه الحكومة في بيانها الوزاري من مقاربات «واقعية» لإخراج البلد من الأزمة، والجواب واضح بأنها لم تقدّم فعلياً أية تدابير عملية للتخفيف من ضغوط الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، هذا بالإضافة إلى عجزها عن تقديم أية حلول للأزمات المزمنة، والتي شكّلت سبباً لتنامي الدين العام، حيث تحوّل لبنان إلى أكثر ثالث دولة مديونة في العالم. ويأتي في طليعة الأزمات المزمنة مشكلة الكهرباء حيث أبقت الحكومة على الخطة القديمة لمعالجة المشكلة، وبما يؤشر إلى خضوعها لضغط سياسي من قبل التيار الوطني الحر للإبقاء على حالة الفساد القائمة في وزارة الطاقة.

 

لن تكون الوعود الفضفاضة لإصلاح بقية قطاعات الهدر، وإعادة هيكلة الدولة للتعامل بفعالية مع العجز بالموازنة بأفضل من ما جرى في قطاع الكهرباء، حيث ستقوم القوى والأحزاب السياسية الأخرى بالدفاع عن مصالحها في دولة المحاصصة القائمة، وسيؤدّي ذلك إلى فشل هذه الحكومة وسقوطها في القريب العاجل.

 

لا تكفي الوعود باستقلالية القضاء أو تعيين الهيئة الناظمة للكهرباء أو تعيين نواب لحاكم مصرف لبنان للحصول على ثقة الانتفاضة، لقد سبق أن قدّمت الحكومات السابقة مثل هذه الوعود والتي لم تنفذ.

 

لم تنجح الحكومة في اجتياز امتحان التأليف حيث أخضع رئيسها لمشيئة ومصالح الأحزاب والقوى السياسية، وهذا ما جعله يقبل بالخضوع لمصالحهم بتشكيل حكومة مستشارين من الدرجة الثانية، تمثلها وتدافع عن مصالحها وحصصها في نعيم السلطة.