IMLebanon

“الحزب” يملأ الفراغ بالحوار غير المناسب

 

خلافاً للنفي تصريحاً أو تلميحاً، فإنّ الكلام الذي سُمّي حواراً بين بكركي و»حزب الله»، قد حصل، ولم يكن مجرّد شائعة، لكنّ تسريب وجود هذا الحوار يهدف إلى استثمار هذه الصورة، لفكّ الطوق عن الذين يطوّقون الاستحقاق الرئاسي، عبر التذرّع بأنّهم وفي الوقت نفسه الذي يعطّلون فيه انتخاب الرئيس، يتحاورون مع المرجعية الأحرص على الرئاسة والجمهورية.

 

إنّها إذاً لعبة «خداع وبلف»، لا يستفيد منها إلّا من يعرف كيف يبدأ الحوار وكيف ينهيه، وهو نفسه من يقوم في النهاية بتسريب الحوار واستثماره، وسيصل الأمر بالتأكيد إلى كشف الأسماء التي اقترحتها بكركي، إذا كان ذلك مفيداً في سياق استمرار خطف الجمهورية.

 

نعم لقد حصل الحوار بين بكركي و»حزب الله»، بعدما «استدرج» الصرح البطريركي إلى الاقتناع بأنّه من المفيد الكلام المباشر مع «الحزب»، وتمّ «استدراج» الصرح أيضاً إلى طرح بعض الأسماء، فكانت النتيجة أنّها رُفضت جميعاً مرّة بالمباشر ومرّات بادّعاء أنّها مرفوضة من قبل الحلفاء وفي طليعتهم جبران باسيل.

 

لم يكن الحوار سوى محطة من محطات التضليل التي اتّبعها «الحزب»، لحرف الأنظار عن تعطيله انتخاب الرئيس، وفي هذه الرحلة التي تشبه تقطيع الوقت، كان لا بدّ من ملء الفراغ بالحوار غير المناسب، الذي يتضمّن «بروفات» لا تنتهي من عرض الأسماء وإخضاعها لامتحانات القبول، وهي كلّها سترسب في النهاية لأنّ اللجنة الفاحصة قرّرت أنّ الوقت لم يحن بعد لانتخاب الرئيس، وهذا ما أيقنه البطريرك الراعي الذي توصّل إلى الخلاصة الحقيقية، بعد سلسلة من المحاولات التي وصلت كلّها إلى حقيقة واحدة: انتخاب الرئيس محتجز لدى «حزب الله» حتى إشعار آخر.

 

كان سبق للبطريرك الراحل نصر الله صفير أن أدخِل رغماً عنه في لعبة الأسماء وكان يدرك مسبقاً أنّها مصيدة، لكن على طريقة «لا حول ولا…» قرّر السير فيها، وكشف من كانوا يختبئون خلف موقف بكركي، ويقولون إنّ من يقبل به البطريرك نقبل به، فكانت لائحة صفير التي تضمّنت خمسة أسماء، لكن فور الإعلان عنها تعرّضت للتجاهل والتملّص والتهرّب، وولدت كأنّها لم تكن.

 

واليوم وصل البطريرك الراعي إلى الخلاصة إيّاها، إذ تبيّن أنّ طرح الأسماء لم يكن أكثر من مصيدة، ولهذا وصل الراعي إلى الاقتناع الثابت أنّ «حزب الله» لا يريد انتخابات رئاسية، وصعّد في مواقفه من بيروت وروما إلى درجة كاد فيها يُسّمي المعطلين بالاسم، ولا يستبعد أن يُقدم على هذا الأمر في حال استمرّ التعطيل المرادف لتعميق الانهيار والخراب.

 

تشعر بكركي أنّ الهدف النهائي من كلّ هذا التعطيل هو تغيير الدستور والتوازنات، كما تشعر أنّ هذا السلوك هو فعل مقصود لا يرتبط فقط بالداخل، بل يرتهن بأجندة إقليمية طالما عبّرت عن نفسها بوضوح، وآخر ما سجل كلام المرشد الايراني خامنئي الذي أقرّ باستراتيجية ايران في المنطقة، التي تستعمل بلداناً أبرزها لبنان كساحات لتعزيز دورها الإقليمي. هذا الشعور يضفي على موقف الكنيسة من تعطيل الاستحقاق وضوحاً وجذرية لم تسجّل في السابق، ويؤكّد أنّ الكنيسة سائرة أكثر وأكثر باتجاه التصعيد.