IMLebanon

دعوة الحوار المتأخر هي إعلان لسقوط ونهاية العهد

 

لن تنجح دعوة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى عقد طاولة حوار وطني للبحث عن مخارج للأزمة السياسية والاقتصادية والمالية القاتلة، كما انه لا يبدو بأن هناك أي أمل بتحقيق رغبة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لدعوة مجلس الوزراء للاجتماع لدرس وإقرار مشروع الموازنة لعام 2022، وإرساله إلى المجلس النيابي لإقراره بالسرعة اللازمة، والذي من المعروف بأنه يشكل مستنداً اساسياً لاطلاق عملية التفاوض مع صندوق النقد الدولي.

 

ويبدو بوضوح بأن الرئيس عون قد رفض كل النصائح التي أُسديت إليه سراً، ومن خلال وسائل الإعلام، بأن الأجواء السياسية بكل تعقيداتها الراهنة لن تسهل تأمين الظروف المناسبة لجمع معظم القوى السياسية والاحزاب حول طاولة حوار لبحث وإقرار الحلول المناسبة للقضايا الرئيسية التي تشكل المعضلة الأساسية لتعطيل النظام، وأبرزها الاستراتيجية الدفاعية واستعادة السيادة.

 

واللافت في الأمر إصرار الرئيس عون على دعوة قوى سياسية لاجتماعات تعقد في بعبدا لاستمزاج رأيها في عقد طاولة الحوار وذلك بعدما أبلغته قوى سياسية رئيسية كتيار المستقبل وبلسان سعد الحريري نفسه، وكحزب القوات اللبنانية، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، والذي يبدو بوضوح بأنه سيوفد ممثلاً عنه إلى بعبدا لنقل رسالة تشرح الأسباب السياسية غير المؤاتية لانعقاد طاولة الحوار، وبأن الأجدى من ذلك يتمثل في تركيز الجهود لتفكيك كل التعقيدات التي تمنع مجلس الوزراء من عقد جلساته.

 

تأخر الرئيس عون ومعه تياره السياسي وحلفاؤه في إدراك المخاطر المترتبة على الانهيار المالي والاقتصادي، حيث إنهم تمادوا في السلبية والمكابرة في سلوكياتهم السياسية سواء مع قوى الثورة أو مع القوى السياسية التقليدية، حيث أمعنوا في تأجيج الخلافات مع الرئيس نبيه بري ومع رئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط، ومع تيار المستقبل والرئيس الحريري وأيضاً مع حزب القوات اللبنانية ومع حزب الكتائب والنواب المسيحيين المستقلين، الذين استقالوا من المجلس النيابي، كوسيلة تعبير جلية وواضحة لرفضهم لسياسة المكابرة التي ينتهجها العهد وحليفه حزب الله.

 

في رأينا كانت الفرصة الأخيرة أمام العهد لتدارك الكارثة السياسية والاقتصادية والمعيشية التي وصل إليها لبنان من خلال الدعوة لمؤتمر حوار وطني في صيف 2019، وفي ظل آخر حكومة جامعة برئاسة سعد الحريري، والتي كانت بأمسّ الحاجة للدعم السياسي لوعودها الإصلاحية التي ضمنتها لبيانها الوزاري، متجاوبة مع الاصلاحات المطلوبة بموجب الشروط التي حددتها مقررات مؤتمر «سيدر» من اجل فتح الطريق لحصول لبنان على مساعدات وقروض من الدول الصديقة والمانحة، والتي تزيد قليلاً عن 11 مليار دولار.

 

لكن قصر النظر السياسي، والتعاطي بكيدية سياسية مع بقية المكونات السياسية داخل الحكومة وخارجها قد وضعا البلاد في حالة الاضطراب، من خلال توسيع فجوة الانقسامات السياسية بين العهد والتيار من جهة ومختلف القوى السياسية الأخرى الفاعلة من جهة ثانية، ولم تقتصر أخطاء العهد ورئيس تياره السياسي جبران باسيل على سياسة «التشبيح» ضد القوى السياسية الداخلية (باستثناء حزب الله) بل توسعت لتشمل علاقات لبنان الخارجية، سواء باتجاه الدول الغربية والولايات المتحدة خصوصاً، أو باتجاه الدول العربية الشقيقة وخصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي، والتي حرصت جميع العهود السابقة على الحفاظ على افضل العلاقات الشخصية بين رئاسة الجمهورية وقادة هذه الدول، وكانت الطامة الكبرى حملات الشتائم التي وجهت لهذه الدول من قبل حزب الله.

 

منذ بداية العهد ظهر جلياً بأن العهد وتياره السياسي، وانطلاقاً من تحالفهم مع حزب الله وإرث العلاقات مع النظام السوري يميلون إلى الخروج عن الموقف العربي العام سواء في التعاطي مع نظام بشار الاسد او مع محور الممانعة، بتأييدهم لخيارات حزب الله ومن خلفه ايران.

 

ظهر ذلك جلياً خلال الفترة التي تقلَّد فيها جبران باسيل قيادة سياسة لبنان الخارجية، حيث لم يكتفِ بالخروج على قرارات الإجماع العربي بل جنح للعب دور المدافع عن النظام السوري ومحور الممانعة من خلال المواقف التي عبّر عنها من على منابر جامعة الدول العربية، أو عبر الخطب والتصريحات والمؤتمرات الصحفية التي عقدها. وبلغ به الغرور برفضه الاستماع للمطالب الغربية والأميركية، وقد ظهر ذلك جلياً إبان زيارة شخصية للولايات المتحدة، حيث لم يفلح في تأمين أي اجتماع أو اتصال مع اي مسؤول أميركي، حتى من الدرجة الرابعة.

 

تسببت مواقف العهد وباسيل من الدول الخليجية والغربية بفرض نوع من الحصار المالي والاقتصادي والسياسي على لبنان، خصوصاً بعدما تكللت هذه المرحلة باللعبة المزدوجة التي مارساها مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، والتي أدت إلى اسقاط المبادرة الفرنسية الداعية لتشكيل حكومة اصلاحية من الخبراء المستقلين، ومن خارج البيئة السياسية الفاسدة المسيطرة على كل شؤون البلاد.

 

أما بالنسبة للدعوة التي وجهها الرئيس عون للحوار فإنها تأتي متأخرة وعلى بعد ثمانية أشهر من نهاية عهده، وفي ظل فقدان قواعد الثقة مع مختلف القوى التي كانت منضوية في تحالف 14 آذار. من هنا فإن أفضل ما يمكن أن يحققه من دعوته حضور مكونات تحالف 8 آذار إلى قصر بعبدا، وبما يشير إلى مزيد من الطعن في ميثاقية مثل هذا الحوار الذي سيفتقد حضور المكون السني الأساسي، والمكون الدرزي الرئيسي، بالاضافة إلى حزبي الكتائب والقوات اللبنانية، بالاضافة إلى قوى مسيحية مستقلة، لها اعتبارها وحيثياتها.

 

في هذا السياق، لا بد من التوقف عند العناوين التي اختارها الرئيس عون، والتي يأتي في رأسها الاستراتيجية الدفاعية، والتي تعني بصريح العبارة إيجاد حل لنزع سلاح حليفه حزب الله، وبالتالي استعادة السيادة وقرار السلم والحرب للدولة اللبنانية. وتأتي هذه الدعوة في الوقت الذي بلغ فيه اعتداد أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله بقوته العسكرية، والتي حددها بـ«مائة ألف مقاتل» وذلك في معرض رده على تحديات الداخل بعد أحداث الطيونة – عين الرمانة، وفي إطار الرد على التهديدات والانتهاكات الاسرائيلية. على صعيد آخر فإن انعقاد طاولة الحوار بمن حضر، فإنها كفيلة بإثارة المزيد من المعارك الاعلامية والتشنجات السياسية بين القوى المشاركة في الحوار والقوى الرافضة له، بحيث يشهد الإعلام اللبناني معركة ساخنة جداً بين التيار السيادي وتيار الممانعة، ولا بد من التحذير من امكانية انتقال هذه السخونة إلى الشارع، وبالتالي الدفع نحو فتنة جديدة.

 

في رأينا لن تتعدى نتائج الحوار (إذا انعقد) تبادل بعض الافكار حول موضوع التعافي الاقتصادي، حيث سيكون الثقل السياسي على الطاولة للثنائي الشيعي، والذي يرفض سلفاً موضوع اللامركزية المالية والادارية الموسعة، بالاضافة إلى رفضه اي بحث في الاستراتيجية الدفاعية، حيث لم يتغير أي من الطروحات التي قدمها السيد نصر الله على طاولة الحوار الأولى عام 2006 التي كان قد دعا إليها الرئيس بري.

 

كان من الضروري والأجدى أن يحاول الرئيس عون إزالة الحواجز والعراقيل التي تمنع اجتماع مجلس الوزراء، للتصدي للمشاكل المالية والاقتصادية والتي باتت تترتب عليها نتائج كارثية، تطاول معيشة معظم اللبنانيين، وقدرتهم على تأمين لقمة العيش او مادة المحروقات اللازمة لوصولهم إلى اعمالهم.

 

في النهاية، يبدو بوضوح أن العهد قد وصل إلى نهاية الطريق ولم يعد لديه أي أمل بمعالجة التدهور النقدي والمعيشي الحاصل، كما انه يواجه مخاطر حصول تشنجات واحداث قد تؤدي إلى استقالة الحكومة، ومواجهة تداعيات الانهيار السياسي والمعيشي في ظل حكومة تصريف أعمال. ولا نغالي إذا اعتبرنا أن هذه الدعوة تمثل إعلان نهاية العهد يوم إعلانها.

 

إذا حدث ذلك لا بد من التساؤل عن استحقاق اجراء الانتخابات النيابية في أيار المقبل ذلك في ظل تشكيك العديد من المراقبين في امكانية حصولها، خصوصاً إذا شعرت اطراف 8 آذار وعلى رأسها حزب الله بأنها ستؤدي إلى تغيير أساسي في تكوين المجلس النيابي، وبما يؤدي إلى تشديد الضغط داخلياً ودولياً من اجل تحييد لبنان واستعادة الدولة لجزء من سيادتها المفقودة، بدعم من أكثرية نيابية جديدة.

 

العميد الركن نزار عبد القادر