IMLebanon

الديار: هل تُشعل الضرائب الأخيرة ثورة إجتماعية؟

لا يختلف إثنان على أن لبنان يمرّ في أزمة مالية وإقتصادية تُقوّض أي سياسة إجتماعية تهدف إلى خفض نسبة الفقر وتحقيق حدّ أدنى من الأمن الإجتماعي. فالقيود التي فرضها مؤتمر سيدر والضغوطات التي تُمارسها وكالات التصنيف الإئتمانية وصندوق النقد الدولي من خلال التقارير الصادرة والتي ستصدر تُعقد الُمهمة أمام الحكومة وأمام رئيس الجمهورية الذي أخذ على عاتقه الدفع بإتجاه إيجاد حلول للأزمة الحالية.

التصاريح التي تتوالى من أعلى الهرم في السلطة ونزولًا تعترف جميعها بصعوبة الموقف ولكن في الوقت نفسه تقول أن الأمل لم يُفقد بعد ويجب أن يُساهم الجميع في الخروج من هذه الأزمة. وهنا بيت القصيد، ما يعني مُساهمة الجميع؟ وماذا تعني عبارة رئيس الجمهورية “التخلّي عن بعض الإمتيازات”؟

لبنان وغياب الأمن الإجتماعي
تبلغ نسبة الطبقة الفقيرة في لبنان 33.92% من إجمالي السكان في لبنان، أمّا الطبقة الوسطى فتتركزّ بمعظمها في أسفل هذه الطبقة أي ليس بعيدًا عن خطّ الفقر. وبحسب دراسة الـ” Crédit Suisse”، 67% من إجمالي سكان لبنان يمتلكون ثروة أقل من 10,000 دولار أميركي أي ما يوازي 15 مليون ليرة لبنانية. هذا الواقع دفع ويدفع بعشرات الألوف من اللبنانيين إلى الهجرة مع أكثر من 50 ألف مهاجر متوقعين لهذا العام، وما المظاهرة منذ أسبوعين أمام السفارة الكندية إلا خير مثال على ما يُعانيه قسم كبير من اللبنانيين من الفقر خصوصًا على الأطراف مما دفعهم إلى السعي إلى الوصول إلى الجنة الموعودة في أوروبا، أميركا وأستراليا.

ويبقى المُتضرّر الأكبر من الفقر الأطراف خصوصًا مناطق عكّار، الهرمل، البقاع، الجنوب ولكن أيضًا طرابلس وضواحي بيروت. أكثر من نصف سكان طرابلس (المدينة) يعيشون تحت خطّ الفقر و72% من أهالي عكّار يعيشون بأقلّ من 110 دولار أميركي في الشهر، والمُحزن أن 20% من هؤلاء لا يتعدّى مدخولهم الشهري الأربعون دولار أميركي.

سبعة مليارات وست مائة مليون دولار أميركي الدعم الذي قدّمه المُجتمع الدوّلي في مؤتمر باريس 3 حيث كانت أحدّ أبرز النقاط الأساسية للمعالجة هي الإنماء المناطقي. أكثر من 12 عامًا إنقضت على هذا المؤتمر الذي كان يهدف قبل كل شيء الى تخفيف نسبة الفقر في المناطق الحدودية، ولم يتمّ القيام بأي إنماء مناطقي مع إهمال مزمن من قبل السلطة للسياسات الإنمائية للأطراف.

التداعيات الإجتماعية لغياب السياسات الإنمائية لم يتوقف عند هذا الحدّ، بل طال عمالة الأطفال التي أصبحت ظاهرة مُقلقة مع 7% من أطفال لبنان مُلزمون العمل لتأمين دعم مالي لأسرهم و10% منهم لا يذهبون إلى المدرسة. على هذا الصعيد، يتوجّب الذكر أن أكثر من 46% من أطفال عكّار يتركون المدرسة قبل الوصول إلى صف الـ” Brevet! ” بالطبع الظروف التي يتعرّض لها هؤلاء الأطفال تجعلهم يفتقرون إلى الطفولة التي ينعم بها الأطفال في الدوّل المُتطوّرة.

وكأن هذا لا يكفي، ترى في بعض المناطق إنقطاع للمياه التي تُصنّف كعنصر أساسي من حقوق الإنسان! وماذا نقول عن الكهرباء التي تُعتبر نزيف الخزينة في حين أن العديد من الأطراف لا تصلها الكهرباء. وتبقى المُصيبة الأكبر في النفايات التي أصبحت مُشكلة صحّية فعلية مع أكثر من 5% من سكان برّ الياس مُصابين بمرض السرطان نتيجة التلوّث والأمثلة عديدة في كل لبنان.

رئيس الجمهورية أخذ على عاتقه الدفع بإتجاه إيجاد حلول تمّ وضعها في ورقة بعبدا المالية – الإقتصادية. وتهدف هذه الورقة إلى تثبيت الوضع المالي للدوّلة ولكن أيضًا تحفيز النمو الإقتصادي من خلال مشاريع مثل مشاريع مؤتمر سيدر. إلا أن المُشكلة الأساسية تبقى في لجم العجز وتخفيضه في موازنة العام 2020 ليستوفي شروط مؤتمر سيدر، وهنا تظهر مُشكلة الضرائب!

الضرائب والفساد
تخفيض العجز لا يُمكن أن يتمّ من خلال خفض الإنفاق وحده بحكم أن الإنفاق الأساسي محصور في ثلاث بنود لا قدرة للسلطة للمسّ بها وهي كتلة الأجور في القطاع العام، خدمة الدين العام وتحاويل مؤسسة كهرباء لبنان. من هذا المُنطلق هناك إلزامية للتوجّه نحو الضرائب.

ورقة بعبدا المالية التي تحوي إصلاحات أساسية يجب القيام بها كما وعدد من الضرائب، تركت للحكومة (اللاعب الأساسي المعني) خيار إدخال ضرائب أم لا في موازنة العام 2020. إلا أن هذا الخيار المُتاح أمام الحكومة لخفض العجز وإستيفاء شروط سيدر، يظهر كأنه فخّ أمام القوى السياسية. فالضرائب التي يُنوى فرضها وحتى لو كانت بالظاهر لا تطال الفقراء، إلا أنها ستطالهم بشكل أو بأخر من خلال ضرائب خطّة النفايات، الضريبة على الفوائد على الحسابات المصرفية، الضريبة على القيمة المضافة على الكماليات (غير مُحدّدة حتى الساعة)… ومن يعلم، قد يكون هناك أيضًا رسم على صفيحة البنزين ورفع تعرفة الكهرباء وغيرها من الأمور الأخرى التي يتمّ إقراراها في اللحظة الأخيرة بعد أخذ موافقة كل القوى السياسية خوّفًا من أن يتحمل فريق مُعين وحده تداعيات ردّة فعل الشارع.

وبالتحديد هنا تبرز المُشكلة نظرًا إلى أن طبيعة الضرائب التي ستُفرض هي إنتقائية ولا تأخذ بعين الإعتبار التداعيات الماكرو والمايكرو إقتصادية من خلال نماذج حسابية يتمّ من خلالها قياس هذه التداعيات ومعرفة مدى تأثيرها على الطبقة الفقيرة. وبالتالي فإن فرض الضرائب كما سيتمّ في موازنة العام 2020 سيتم تسويقه تحت عنوانيين أساسيين: الأول هو أن هذه الضرائب لن تطال الفقراء، والثاني هو أن على الجميع التضّحية لإنقاذ البلد.

في الواقع هذه الضرائب ستكون كارثية على المواطن وعلى الإقتصاد من ناحية أن إرتفاع الأسعار سيكون سيّد الموفق مما يعني ضعف القدرة الشرائية، إنخفاض الإستهلاك، تراجع النمو وزيادة الفقر. كل هذا لعدم قدّرة الدوّلة على ضرب الهدر والفساد في عقرهما والمُتمثّل بثلاثة عنوانين رئيسية: الكهرباء، التهريب الجمّركي والأملاك البحرية والنهرية وسكك الحديد.

إن خفض العجز المنصوص عليه في مؤتمر سيدر، ينص على خفض بنسبة 1% من الناتج المحلّي الإجمالي أي 540 مليون دولار أميركي. على هذا الصعيد يكفي خفض الدعم لمؤسسة كهرباء لبنان 1000 مليار ليرة لبنانية في موازنة العام 2020 لتحقيق الهدفّ أو يكفي وضع فرقة من الجيش اللبناني برئاسة قاضي على المرفأ لتأمين مبلغ أكبر من المطلوب، أو زيادة بدل الإشغال للأملاك البحرية والنهرية وسكك الحديد التابعة للدوّلة لجلب أضعاف هذا المبلغ!

الرئيس الحريري ومن خلال تصريحاته الأخيرة ركّز أكثر من مرّة على موضوع الجمارك ويُتابع خطّة تطبيق خطّة الكهرباء كل هذا بدعم من رئيس الجمّهورية الذي يُعتبر رأس حربة في محاربة الفساد والذي إستخدم عبارة إلغاء الإمتيازات والتي بإعتقدنا تهدف إلى ضرب الإحتكارات ومحاربة الفساد في المرافق العامة. على كلٍ، القرار الأخير يبقى (دستوريًا) للحكومة التي سترفع مشروع موازنة العام 2020 إلى مجلس النواب، فماذا ستختار القوى السياسية؟ هذا ما ستُظّهره الأيام المُقبلة.

إن الفترة المُقبلة محفوفة بمخاطر إجتماعية جمّة أولها الأقساط المدرسية التي بدأت ملامحها بالظهور مع قرطاسية تبلغ مليون ليرة للطالب الواحد وكتب مُسعّرة باليورو وغيرها. وهناك تخوّف كبير أن تعمد المدارس الخاصة إلى رفع أقساطها مما سيؤدّي إلى صرخة لدى الأهالي والموظّفين. الجدير ذكره أن المنح المدرسية المُقدّمة من الدولة إلى موظّفيها تمّ خفضها في موازنة العام 2019 وقد نشهد خفضا إضافيا في موازنة العام 2020.