IMLebanon

الديبلوماسيون يسألون: هل ستفون بالتزاماتكم؟

 

مجرّد ان حُدِّد الاسبوع الجاري كموعد لبدء المفاوضات بين لبنان وصندوق النقد الدولي، طرح احد كبار الديبلوماسيين الغربيين سؤالاً على مسؤول كبير: هل ستكونون جدّيين في هذه المفاوضات، وهل ستوفون بالتزاماتكم؟

إستغرب المسؤول الكبير السؤال، وقال للديبلوماسي: بالتأكيد نحن ذاهبون الى هذه المفاوضات بكل جدّية، وملتزمون ضمن حدود المصلحة اللبنانية بما ستنتهي اليه المفاوضات.

 

السؤال الديبلوماسي منطلق من انّ التجربة مع لبنان ليست مشجعة، على ما جرى في مؤتمر «سيدر»، وفيه قدّمت الحكومة اللبنانية ورقة، وقطعت الوعود بتنفيذ كل متطلباته ضمن فترة زمنية معيّنة، لكنها تخلّفت عن تطبيق ايّ من تلك الالتزامات. يقول الديبلومسي: «انّ هذا التخلّف ساهم بتفاقم ازمة لبنان، وبلوغها هذا المستوى الخطير، وما نخشاه حقيقة هو أن يتكرّر هذا الامر مع صندوق النقد الدولي».

 

يسأل الديبلوماسي الغربي ايضاً: صندوق النقد الدولي، ومع بدء التفاوض معه، يحتاج الى خطوات حقيقية للإصلاح، فهل ستستطيع الحكومة ان تقوم بمثل هذه الخطوات؟ والجواب حاضر لديه: «لقد عبّر احد المسؤولين امامنا عن امتعاض شديد من انّ الحكومة لم تتخذ بعد اي قرار، كما لم تُقدم على أي عمل تثبت من خلاله انّها مختلفة عمّا سبقها من حكومات. ونحن نلاحظ ذلك ايضا».

 

ويضيف: «صندوق النقد، هو فرصة مهمة امام لبنان، وعليه ان يستفيد منها الى اقصى الحدود، ولكن ما يهمّ الصندوق هو ان يرى افعالاً من الحكومة اللبنانية، وليس الاكتفاء بتقديم ورقة واقوال، ولذلك فإنّ صندوق النقد لن يفتح للبنان ابواب الحصول على أي اموال، الّا في حالة اليقين من الالتزام الجدّي والملموس. وما يجب ان يؤخذ في حسبان الجانب اللبناني، انّ شروط صندوق النقد لن تكون تحت سقف شروط «سيدر»، او على مستوى واحد مع شروط «سيدر»، بل ستكون حتماً فوق سقف «سيدر» واعلى بكثير، وبالتالي لن يكون امام صندوق النقد في فترة التفاوض معه الّا ان يكون متشدّداً، لأنّ التجربة مع لبنان غير مشجعة، ما يعني انّ لاموال صندوق النقد تجاه لبنان ممراً الزامياً وحيداً، وذلك عبر اجراءات وإصلاحات وحسن ادارة الدولة ومؤسساتها».

 

يؤكّد الديبلوماسي انّ تشدّد صندوق النقد تجاه لبنان، هو لمصلحة لبنان وخدمة له. هنا يحاول الديبلوماسي ان يُبعد العامل السياسي عمّا يقصد بكلامه، ويقول: «انا لا اتفق مع من يقول بأنّ صندوق النقد الدولي بصدد محاولة فرض شروط على لبنان تمسّ سيادته. فهل اذا طلب صندوق النقد، ان يسارع لبنان الى خطوات اصلاحية سريعة، واجراء تعيينات ضمن آلية شفافة معيارها الوحيد الكفاءة لا السياسة، وهل اذا طلب المسارعة الى ملء الفراغ المخيف في الادارة اللبنانية، واتمام التعيينات المالية والهيئات الناظمة التي سبق وطالب بها «سيدر» للكهرباء والاتصالات والطيران المدني، يشكّل ذلك مسًّا بالسيادة اللبنانية؟

 

يجزم الديبلوماسي بأنّ لبنان، وفي الاساس، ليس في الموقع المتقدّم في المفاوضات مع صندوق النقد. ومثل تلك الامور (فضيحة الفيول)، تُضاف اليها المعارك المتتالية بين القوى السياسية، وبطء المعالجات الحكومية، وعدم اتخاذ قرارات بخطوات اصلاحية ملموسة، كل ذلك من شأنه ان يُضعف الموقف اللبناني أكثر، فضلاً عن انّ الادارة السياسية في لبنان هي اصلاً مربكة ومتباينة، وهذا وحده يشكّل عامل ضعف اساسياً للموقف اللبناني.

 

وكتدليل على هذا الإرباك، يعطي الديبلوماسي الغربي مثالاً، ويقول: «لبنان لجأ الى صندوق النقد، وكذلك فعلت مصر قبل فترة، وفي مقارنة بين البلدين، يتبيّن انّ مصر نجحت مع الصندوق، لأنّ فيها حكماً واحداً، وقرارها واحد، فضلاً عن انّها دولة صناعية وزراعية. اما في لبنان فإنّ القرار فيه مشرذم، وثمة صعوبة شديدة في اتخاذ القرار، نظراً لتعدّد مصادره، التي من الصعب ان تتقاطع حول رأي مشترك. يُضاف الى ذلك، انّ لبنان دولة لا زراعية ولا صناعية ولا تملك اي امكانات».

 

واضح انّ لتشدّد صندوق النقد المُرتقب في المفاوضات مع لبنان، أسبابه الموضوعيّة والمبرّرة، ويتصدّرها الواقع السياسي بكل تبايناته وتشنجاته، والذهنية الحاكمة التي تديره، ومضيّها على ذات المنحى الذي دفع لبنان الى التهلكة المالية والاقتصادية.

 

يتجلّى هذا المنحى، في تعطيل التشكيلات القضائية، ولا مجال للسير فيها الّا بعد تصحيح ما يصفها رئيس الجمهورية ثغرات تعتريها، ويُقال انّها مرتبطة ببعض القضاة المحسوبين عليه. وكذلك في تعطيل التعيينات المالية تحت عنوان رفض المحاصصة، فيما ما يجري من تحت الطاولة، هو تمسّك بعض المراجع بالاسماء نفسها التي اقترحها، ويُفترض انّها سقطت مع الاعلان عن رفض المحاصصة، علماً انّ رئيس المجلس النيابي قد جدّد التأكيد على انّ المعيار الوحيد الذي يجب ان ينطبق على كل التعيينات المالية وغير المالية، والذي صار من الضروري ان يُحسم الامر حيالها واجراؤها قريباً جداً، هو معيار الكفاءة والجدارة ومن دون تسييس.

 

ويتجلّى ايضاً، في ما يعانيه البلد في كل قطاعاته، وفي محميات الفساد المترامية الاطراف، وفي ما يتكشف من فضائح مالية، وآخرها، وبالتأكيد ليس آخرها، فضيحة الفيول المغشوش، وسرقة الاموال والعمولات المستمرة. هذه الفضيحة تبدو وكأنّها كرة نار بدأت بالتدحرج على كل السنوات الماضية، وما هو امام القضاء، حيال هذه الفضيحة اعظم وادهى مما تكشّف عن ادوار بعض القيّمين على هذا القطاع، وخصوصاً لناحية الإبقاء على «مناقصات مشبوهة»، ومن ثم التنصّل منها، رغم وجود وثائق وتقارير تثبت تورطهم، وبالتالي اظهار انفسهم كـ«شاهد ما شفش حاجة»، ومع ذلك يأتي من يغطي بعض المرتكبين بالجرم المشهود، ويلبسهم ثوب العفة والبراءة.

 

هنا يحضر السؤال: هل انّ هذه الصورة الرديئة عشية المفاوضات مع صندوق النقد، تقوّي موقف لبنان وتحصّن المفاوض اللبناني؟ وهل نجرؤ من خلال هذه الصورة، ان نؤكّد لصندوق النقد وللمجتمع الدولي بأنّ في لبنان دولة قانون ومؤسسات، وليس دولة يحكمها العناد، تغطي المرتكب ولا تحاسبه؟