IMLebanon

اتجاه لتمديد الأزمة بإعادة التفاوض مع الشركات الفائزة!

جمع نفايات العاصمة لفترة أسبوع

اتجاه لتمديد الأزمة بإعادة التفاوض مع الشركات الفائزة!

تمَّ تفكيك جزء من أزمة النفايات، أمس، عبر إقناع عمال «سوكلين» بالعودة عن إضرابهم، وإيجاد موقع مؤقت في الكرنتينا لنقل نفايات العاصمة اليه، وإعادة جمع نفايات الضاحية ونقلها الى المواقع المختارة. وبذلك يمكن ان يتم حل جمع نفايات العاصمة والضاحية (لفترة أسبوع) مع ما يقارب 86 بلدية وجدت مواقع مؤقتة في جبل لبنان. اما باقي المناطق فلا تزال ترزح تحت ضغط تراكم النفايات في الشوارع من دون أي أفق لحلول أوسع وأكثر استدامة.

وكانت شركة «سوكلين» قد أصدرت بيانا أمس أعلنت فيه أنها حريصة تماماً على حقوق جميع العاملين لديها وتلتزم بدفع جميع حقوقهم وأنها «كعهدهم بها لن تخلّ بأي التزامات تجاههم». كما أكدت الشركة أن سياراتها وشاحناتها قد خرجت منذ الصباح (أمس) لجمع النفايات في جميع نقاط عملها، في بيروت والضاحية وجميع المناطق التي جرى تأمين المطامر فيها.

في الإطار نفسه أعاد عمال المرفأ التأكيد على رفض وضع أي نفايات إضافية في الباحة عند مدخل المرفأ.

الى ذلك علمت «السفير» أن هناك اتجاها لتفسير قرار مجلس الوزراء برفض نتائج المناقصات، بمعنى رفض الأسعار فقط، وهناك اقتراح سيعرض على اللجنة الوزارية (ومجلس الوزراء) بإعادة التفاوض مع الشركات الفائزة لتخفيض أسعارها قدر الإمكان، بعد إعداد تقرير يظهر ان هناك بعض الشوائب في طريقة احتساب الأرقام والأسعار التي يمكن ان تظهر انها اقل من الأسعار الحالية، مع اقتراحات إضافية بتلزيم الجمع والمعالجة وترك الكنس للبلديات، بالإضافة إلى مساعدة الشركات بتأمين المطامر لها!

إلا ان هذا التوجه، يتجاهل مجددا الحقائق التي لم تعد تحتاج الى برهان، وهو ان المشكلة ليست في الأسعار فقط، بل ان مشكلة الأسعار تبدو هامشية في معالجة قضايا البيئة لاسيما قضية النفايات. والذين يدركون ابسط قواعد البيئة وطرق معالجة هذا الملف في العالم، يعرفون ان أسعار المعالجة والتخلص من النفايات المنزلية في العالم (من دون الجمع والكنس) يمكن ان تتراوح بين 180 يورو/للطن في اللوكسمبورغ الى 10 و20 يورو/طن في رومانيا وبلغاريا. وأن كلفة طمر النفايات (من دون احتساب كلفة النقل) يمكن ان تتراوح بين 110 يورو/للطن في النمسا و25 يورو/طن فقط في اسبانيا. وكذلك الأمر بالنسبة إلى كلفة الفرز والتسبيخ (على أنواعه) والحرق (على أنواعه أيضا). وطالما ان قرار الحكومة في لبنان ودفاتر الشروط التي تم إعدادها فتحت كل الخيارات أمام العارضين لاختيار التقنيات التي يرونها مناسبة، لم يعد هناك معيار للتقييم. ولذلك كان يفترض اعتبار هذه المناقصات غير منطقية ولاغية في الأساس. اما بالنسبة الى اختيار الأماكن للمعالجة، فلو ان الدولة كانت تستطيع ان تفعل ذلك منذ البداية (او الآن)، لكانت اقدمت عليه، فهي الأقوى (من الشركات)، ولكانت فرضت باختيارها المكان والتقنية الأسعار التي تريد، وبالتأكيد ستكون اقل من نصف المعروض. اما المسألة الثالثة والأهم في هذه المناقصات، فهي المدة الزمنية للعقود. فاذا كان لدى الدولة اللبنانية رؤية استراتيجية وتعرف ماذا تريد في هذا الملف بعد ما لا يقل عن عشر سنوات وعشرين سنة، كما يفترض ان تخطط الدول، لتم تحديد المدة الزمنية للعقود على فترة طويلة وليس على خمس سنوات (كما في هذه المناقصة)، مع ما لهذا الإجراء من مفعول حاسم بالنسبة لأسعار العارضين. فعندما يعرف المستثمر أن الأرض التي يشغلها والمعامل التي سيبنيها سيتم تشغيلها لفترة أطول، يمكنه ان يخفض أسعاره، ويصبح هناك معنى آخر للمناقصة والمنافسة.

واذ يعرف الذين وضعوا دفاتر الشروط، وكل من يتابع هذا الملف هذه الحقائق جيدا، يصبح السؤال: لماذا تم تجاهل كل هذه الحقائق عند وضع دفاتر الشروط؟

سرعان ما سيأتينا الجواب بشكل مباشر او غير مباشر، من كثير من الأوساط السياسية المتابعة، انه تم تقصير مدة العقود لخمس سنوات، لان الخيار الرئيسي لمعالجة هذا الملف هو المحارق، وان انجاز الدراسات ودفاتر الشروط والمناقصات والتلزيم وإنشاء المحارق والبدء بتشغيلها… يحتاج الى أربع او خمس سنوات. ومن اجل ذلك تم انجاز خطط ودفاتر شروط مشوهة وغير منطقية وغير سليمة… لم يقتنع بها واضعوها اولا، ولا العارضين كما ظهر في اليومين الماضيين، قبل ان تكون غير مقنعة للمجتمع المدني والمهتمين والمختصين.

ولكن يعرف العارفون أيضا ان قرار اعتماد التفكك الحراري لمعالجة النفايات كان قد اتخذ في مجلس الوزراء العام 2010، وقد مضت خمس سنوات ولم يتم البدء بإعداد دفتر شروط هذا الخيار. فما ومن الذي يضمن ان لا تضيع سنوات خمس أخرى؟ وهو خيار بالمناسبة يحتاج الى استثمارات اكبر بكثير من تلك المعتمدة حاليا وهي تتجاوز المليار دولار أميركي لكمية النفايات المأزومة والمتنازع عليها حاليا ( بالمقارنة مع العروض المالية الأدنى في المناقصة الحالية التي تقارب 288 مليون دولار في السنة لسائر المناطق اللبنانية و148 مليون دولار لبيروت وجبل لبنان) . فمن يمكن ان يستثمر في مثل هذا المبلغ في بلد مثل لبنان غير مستقر لا امنيا ولا في مؤسساته الحكومية ولا في تشريعاته وأطره البيروقراطية المفسودة؟! ومن يضمن ان تحترم الشروط البيئية لهذا الخيار المكلف والخطر؟ ومن سيضمن الموافقة على المواقع المختارة لوضع المحارق؟

انطلاقا من هذه المعطيات، ما معنى إعادة التفكير والتفاوض حول المناقصات الحالية بعد ان تم رفضها في الشارع، قبل ان ترفض في مجلس الوزراء؟ وبعد ان كان قد رفضها معظم الخبراء الحياديون، قبل ان يعرفوا بفضيحة الأسعار العالية التي نجمت عنها والتي لا يمكن إعادة ترميمها؟ وهل كان قرار مجلس الوزراء برفض المناقصات يهدف الى امتصاص نقمة الشارع؟ ولماذا لا يتم الاستفادة من الأزمة الحالية هذه المرة ومن اعتراضات الناس في الشوارع، لاعتماد استراتيجية جديدة وخطة جديدة ومناقصات جديدة تشرك البلديات والمؤسسات والأفراد في تحمل مسؤولية إنجاحها، تقوم على التخفيف (عبر اعتماد نظام ضرائبي مختلف) والفرز من المصدر كركنين أساسيين لأي خيار تقني ولأية مناقصة عادلة واستراتيجية ومستدامة؟