IMLebanon

إهدار الفرصة وفشل التمرين

 

 

مجدداً فوّت بعض التغييريين والسياديين والمستقلين مسلمين ومسيحيين، فرصة تقديم نموذج مختلف عن السائد منذ سنوات، في عملية تشكيل السلطة وأثبتوا أن ما اعتبروه أكثرية تحققت في الانتخابات النيابية ليس إلا وهماً غير قابل للتصديق.

 

فالتمرين الذي كان يمكن أن يخوضوه في انتخابات نيابة رئاسة البرلمان قبل 3 أسابيع أهدروا فرصته. والاختبار الذي فشل أمس لغياب أي توافق على دعم مرشح لرئاسة الحكومة، جاءت نتيجته مشابهة مرة أخرى، لتكرس عدم تجانس القوى السيادية والتغييرية والمستقلين حيث كان بعض منهم يغني على ليلاه، ويقول شيئاً ويضمر شيئاً آخر.

 

العودة إلى تفاصيل ما جرى تداوله في الأيام القليلة الماضية من حيثيات البحث في الخيارات المتعددة التي كانت مطروحة لتسمية رئيس يكلف تأليف الحكومة، لا يسمن ولا يغني، لأنه يقحم الرأي العام بحجج وتبريرات وأفكار هي أقرب إلى منطق القيل والقال ومزج العناوين الكبرى الفضفاضة بالأهواء الصغيرة والتنظيرات الساذجة. وكل ذلك يذكر بوصف ديفيد شينكر للبعض بأنهم شخصانيون ونرجسيون… والنتيجة العملية هي أن التغيير في المزاج الشعبي الذي أحدث تعديلاً في نتائج الانتخابات النيابية عما كان متوقعاً، لم يجد من يترجمه في اختيار رئيس الحكومة. والوضوح في قراءة تلك التفاصيل من دون الغرق في ما احتوته من أفكار وآراء و»حدوتيات»، يقتضي القول إن الذين يفترض أن يكون المزاج الشعبي قد جاء بهم إلى الندوة البرلمانية هم غير مؤهلين لنقله إلى حيز التنفيذ بالتناغم مع ما يرغب به الرأي العام، من مقاييس ومعايير في الخيارات الأساسية.

 

بصرف النظر عن المرشحَين لرئاسة الحكومة، الرئيس نجيب ميقاتي والقاضي نواف سلام، افتقد من يفترض أن يكونوا باتوا أكثرية إلى تحديد للأولويات في محطات جوهرية من النوع الذي يفرضه اختيار رئيس للحكومة، فضاعت قدرتهم على تركيز جهودهم نحو هدف سياسي محدد، قبل حديث الاسم والشخصية. وتحولت التجربة التي يفترض أن يمارسوها إلى سقطة حالت حتى دون اختبارهم، حتى يقال إنهم نجحوا نسبياً أو فشلوا نسبياً. وهم بدوا كأن القطار فاتهم. وبمعنى آخر وضعوا أنفسهم في موقع غير المؤهلين لخوض امتحان أو تمرين ليحصلوا على تقييم، سلبياً كان أم إيجابياً، بالنتيجة النهائية.

 

على رغم تأكيد معظم الفرقاء المعنيين بأنهم يرفضون الفراغ الحكومي، في وجه استمرار التأكيد من معظمهم قبل الاستشارات وبعدها، بأن التكليف سيحصل لكن التأليف سيتعذر، فإن الخيارات المرجحة عند الرئيس ميقاتي واضحة. سيبذل جهده مع التأني في الوقت، من أجل عرض تشكيلة وزارية يعتبرها مقبولة من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. وحين يرفضها متسلحاً بمطالب جبران باسيل، ويشترط من خارجها سوق رياض سلامة إلى السجن… فإن الرئيس المكلف لن يستقيل متسلحاً بتصريف الأعمال ومحاولة مواصلة ما وعد الناس به في شأن الكهرباء، وترك المجلس النيابي يتخبط بمناقشة مشروع قانون الموازنة ورفع السرية المصرفية والكابيتال كونترول وقانون إعادة تنظيم وهيكلة المصارف… حتى آخر العهد.

 

ولو جرى تكليف القاضي سلام بالمهمة لكان حضر مسودة حكومة يفترض أن تكون مختلفة عن سائر المسودات المعروفة، من اختصاصيين مستقلين تتناغم مواصفاتهم مع ما يرغب به الرأي العام، ليرفضها الرئيس عون فتجري محاولة تعديلها من دون أن تنجح المحاولة فيستقيل بعد أن يكون قد أرضى ما يريده التغييريون وبعض السياديين، لتعود ناصية الأمور إلى ميقاتي. إلا أن المحاولة لتقديم نموذج آخر تكون قد حصلت ليبنى على الشيء مقتضاه لاحقاً.

 

لم يجهض تشتت القوى السيادية وانقسام التغييريين المثير للشفقة وانقسام المستقلين (حتى لو كانوا كتلة من نائبين)، وتشرذم أصوات النواب السنة الموزعين على ولاءات بعضها معروف والآخر مبهم، تجربة تقديم نموذج آخر فقط، بل جرى إهدار فرصة إجراء اختبار مختلف لانتخابات الرئاسة الأولى، أيضاً. وهو ما يعني أن انتخابات رئاسة الجمهورية سيتحكم بها التشرذم، وستنتج كسابقاتها، ولاية جديدة هي امتدادٌ لعهود الفراغ.