IMLebanon

هل يصبح الحزام الناسف.. زيّاً وطنيّاً ؟ 

عزيزتي الدولة عندما تلقين القبض على مواطن يحاول الانتحار بتفجير نفسه في مكان عام ، ان هذا الامر يجعلك في وضع مريب اذ ان مواطنيك قد فقدوا الأمل بوجود ضالتهم الطبيعية، ألا وهي دولتهم التي حلموا بها واحترموا قوانينها ودفعوا ضرائبها، وائتمنوها على حياتهم وأملاكهم وأطفالهم وحرياتهم، وأن تحضر الدولة بأجهزتها الأمنية وتلقي القبض على الانتحاري وتمنع الجريمة، ذلك يستدعي بان تعمل الدولة على الامساك  بالدافع على الانتحار وهو عدم الشعور بالعدالة او بضرورة الدولة.

 عزيزتي الدولة ان المحاولة الانتحارية في مقهى الكوستا الأسبوع الماضي هي عملية كانت تستهدف غفوتك عن مواطنيك، لأن العملية لم تكن تستهدف اي طائفة او حزب، وأن المستهدف بالعملية هي الدولة، لأن الانتحاري هو من رعاياها واتباعها ومن الذين سلموا امرهم للدولة وأدواتها وعدالتها وحمايتها ورعايتها واجهزتها وقضائها، وان انتحاره هو تعبير عن خيبة امله فيها وباحتضانها لجميع ابنائها دون تمييز بين فرد وآخر او منطقة واُخرى او بين جماعة وجماعة.

عزيزتي الدولة ان الشعور بالندم  يكون عموماً نتيجة إدراكنا لأخطائنا في الخيارات او المشاعر، وعندما نندم نكون في حالة من الصوابية، وفي هذه الحالة يكون للندم مردود إيجابي على الفرد والمجتمع، ولكن الكارثة تكون عندما نشعر بالندم لاننا قمنا بالفعل الصواب، كأن يخلص الفرد لوطنه ويلتزم بقوانين دولته وتكون النتيجة عليه عكسية اي تهميش واقصاء واحتقار عندها يكون الندم سلبياً ويستدعي القيام بالفعل الخطأ للحصول على النتيجة الصحيحة، وهذا ما يسبب التطرّف والغضب  وما يفكك الدولة والمجتمع.

عزيزتي الدولة لا داعي لكي اذكرك بالمرات الكثيرة التي ندم فيها اللبنانيون على ولائهم لدولتهم والانصياع لقوانينها، عندما وجدوا الدولة تميز بين مواطن وآخر، وكلنا نعرف ما الذي حل بلبنان من خراب ودمار وفوضى واشتباكات وانقلابات وكيف رضخت الدولة العزيزة  منذ عقود طوال للتنازل عن سيادتها، عندما حمل المواطنون السلاح للقتال فيما بينهم ومع دولتهم منذ العام ٥٨ حتى الآن، اي ستون عاماً والدولة متكيفة مع تناوب الراغبين بفشلها وسقوط هيبتها امام مواطنيها.

متى كانت الدولة اللبنانية العزيزة منشغلة باستيعاب مواطنيها وطموحاتهم وطاقاتهم، وكيف تفكر بما  حدث تلك الليلة في شارع الحمرا ولماذا أراد الانتحاري استهدافها بانتحاره، وهل راجعت كيف تم التعامل السياسي والاعلامي مع هذا الحدث ، أليس اتهام الأجهزة الأمنية بالفبركة سلوكا انتحاريا، واتهام اهل الانتحاري وطائفته ايضا هو اتهام انتحاري، وتلك الهلوسات التي قرأناها وسمعناها ورأيناها ألا تشجع على الانتحار بعد كل الذي تكلفناه من قتل ودمار واحتلال وتعطيل وشغور ونفي واعتقال واغتيال، ولا نزال نرتكب نفس الأخطاء وكأننا لم نتعلم شيئاً، بالاضافة الى طائفية القهر والعزل والتمايز والاقصاء.

يعتقد اقوياء الدولة اللبنانية الضعيفة، بان ضعف الدولة يعظم من قوتهم، ويتمادون في امتهان الخروج عن القيم الوطنية الجامعة،  دون ان يتذكروا الذين سبقوهم في استضعاف الدولة وبناء قوتهم على حسابها كيف انهم كانوا اول ضحايا انهيارها، وأدركوا بانهم ليسوا اقوياء بل الآخرين ضعفاء، وعندما يتملك الضعفاء اليأس يصبحون  نادمين ويبحثون عن سبيل للانتحار، ويبقى السؤال لاقوياء الدولة اللبنانية الضعيفة: هل يصبح الحزام الناسف زيّاً وطنيّاً يرتديه كل ضعفاء لبنان؟