IMLebanon

الدولار إلى أين؟  

 

 

حلقة جديدة في مسلسل انهيار الليرة اللبنانية أمام الدولار، صدمت اللبنانيين في هذه الأيام، وإن لم تفاجئهم… فقد تجاوز سعر صرف الدولار الواحد عتبة الـ61 ألف ليرة حتى الآن، والحبل على الجرار.

 

كل هذا حدث ويحدث، وسط تنبّؤات قاتمة، لا سيما مع تصاعد الأزمة السياسية وفشل انتخاب رئيس للجمهورية والصراع على صلاحيات هذا الرئيس.

 

فبعد 25 سنة من ثبات السعر الرسمي للدولار في لبنان، بدأ منذ ما يقارب الثلاثة أعوام بالارتفاع تدريجياً في السوق السوداء، حيث باتت البلاد تشهد أزمة اقتصادية ومالية خانقة، وصفها البنك الدولي بأسوأ ثلاثة انهيارات مالية في العصر الحديث.

 

واللافت أنّ هذه الأزمة أدّت الى ظهور عدة أسعار للدولار، منها سعر الصرف الرسمي، والسعر الخاص بالسحوبات المصرفية لودائع الدولار وسعر صيرفة والدولار الجمركي.

 

لقد تفلّت سعر صرف الدولار في السوق السوداء، ولم يعد أحد يريد أو يستطيع لجمه في هذا الوضع المتهرئ الذي يعيشه اللبنانيون، بعد إقحامه بالقوة في الدخول الى «جهنم» التي كان قد بشّرنا بها الرئيس السابق ميشال عون.

 

هذا الأمر هو ما دفعني للكتابة عن هذا الموضوع.. وأتساءل: الدولار إلى أين؟

 

سأكون موضوعياً في هذا البحث… فأنا لا أريد تحميل أحد مسؤولية هذا الارتفاع الجنوني للدولار، كما لا أريد في الوقت نفسه الدفاع عن أحد. فالأمر بلغ حدّاً كبيراً من الخطورة، لم يعد جائزاً فيه السكوت أو الصمت…

 

نريد معالجة الموضوع وبالسرعة الممكنة.. ولكن من غير تسرّع حتى لا نزيد القضية  تعقيداً.. وبغضّ النظر عن المسبّب..

 

وحتى نصل الى الغاية المرجوّة لا بدّ لنا من التذكير بأنّ عام 2020 وما قبله بقليل، كان عام الأزمات بامتياز. في ذلك العام وحده خسرت الليرة اللبنانية 80٪ من قيمتها، نتيجة الاضطرابات السياسية والاقتصادية. إضافة الى تفشّي فيروس «كورونا».. وما زاد الطين بلّة التفجير الضخم الذي هزّ مرفأ بيروت في شهر آب من العام المذكور 2020.

 

فلا شك أنّ اقتصاد لبنان مدولر.. ففي الفترة ما بين نيسان وآب 2020، كان الدولار قد بدأ يرتفع بشكل تدريجي، ولم يعد هناك سعر للشراء.

 

من هنا، باتت الأرقام ترتفع، حقيقة ووهماً.

 

في العام 2021 شهدت الأزمتان الاقتصادية والمالية مزيداً من التدهور، وقرّرت الحكومة دعم الواردات الحيوية فقط، مثل الوقود والقمح والأدوية… لكن الأموال نفدت وساهمت مشكلة الكهرباء في تكبيد الدولة خسائر تفوق الـ65 مليار دولار.. وقضية البواخر وصفقات النفط معروفة للجميع.

 

في العام 2022 استمرت الأزمات والمشاكل التي يعاني منها لبنان، وقد بلغ الدولار في أيار 2022 قبل انتخاب رئيس المجلس النيابي حدود الـ38 ألف ليرة.. وبدأ الدولار بالارتفاع.

 

بالعودة الى بحثنا هذا أقول: هناك أسباب عدة أدّت الى ما كنا نخشاه:

 

أولاً: الطلب السوري على الدولار، ما دفع بالسوريين الموجودين في لبنان الى التهافت على شراء الدولار، ونقله الى سوريا، حيث اشتد الطلب على الدولار هناك، لدفع مستحقات النفط والوقود بكل أنواعه، والطحين… وسط حصار تعيشه سوريا وأزمة خانقة، وانقسامات سياسية جعلت سوريا مناطق عدة، خاضعة لسلطة دول وأحزاب غريبة.. والنظام هناك «لا يهش ولا ينش» كما يُقال.

 

ثانياً: محال الصيرفة في لبنان، حيث استغلّ بعض الصيارفة الأزمة في لبنان، فراحوا يفتشون عن أسهل الطرق لتحقيق ربح أكبر من خلال جشع تسبّب هو الآخر بانهيار الليرة اللبنانية، لتزايد الطلب على الدولار.

 

ثالثاً: الوضع السياسي المتأزّم في لبنان… حيث بات كل فريق متمسّكاً بموقفه، لا يزيح عنه قيد أنملة… وبدأت النكايات والحرتقات بين التيارات والأحزاب السياسية، وظهرت المناكفات بشكل واسع وكبير.. والضحية هو المواطن الذي لم يعد قادراً على أدنى مقوّمات الحياة، فلا دواء ولا حليب أطفال ولا طحين ولا قدرة له على الاستشفاء في المستشفيات، حتى ان اللبناني لم يعد قادراً على تأمين الحد الأدنى للاستمرار في حياته، له ولأبنائه.

 

رابعاً: الكهرباء التي جعلت المواطن يدفع فاتورتها للمولدات التي أكلت «كل راتبه» وأكثر… وحملات دعم النفط التي أخذت معها كل «مخزون» مصرف لبنان أو معظمه والنهاية: صفر كهرباء… وانهيار الليرة اللبنانية أمام الدولار.

 

خامساً: تعذّر انتخاب رئيس جديد للجمهورية… فأصبح الفراغ الرئاسي واقعاً ملموساً… ما أدخل اليأس الى قلوب اللبنانيين، فراحوا يندبون حظهم، ولا يعلمون كيف يتخلصون من لهيب جهنم التي يعيشون فيها.

 

كل هذه الأسباب -وقد يكون هناك غيرها- ساهمت في نحْر الليرة اللبنانية والإجهاز عليها… فلم تعد لها قيمة في ظلّ هذا الارتفاع الجنوني للدولار.

 

وهنا أعود الى ما ذكرته في مقدم هذا التحليل لأقول:

 

الدولار في لبنان… إلى أين؟

 

صدقوني… إنّ الهدف الحقيقي في هذه الأيام، لا يكون بكيل الاتهامات جُزافاً… يميناً ويساراً… فهذا لن يحلّ المشكلة.. بل سيزيدها تفاقماً.

 

الهدف الوحيد… عند أي مسؤول أو مواطن أو مفكر اليوم… هو البحث عن حلّ واقعي موضوعي، يبدأ بانتخاب رئيس جديد… همّه الوحيد إنقاذ مواطنيه من براثن هذه المحنة…، وينتهي بقرارات جريئة حكيمة وعادلة لإنقاذ الليرة اللبنانية من الحضيض؟

 

فهل يتحقق هذا الهدف في أقرب وقت ممكن؟ يا رب.

 

عوني الكعكي