IMLebanon

«الخوّة» على المصارف «أخطر» من الضرائب

 

 

 

لا شك في أنّ فَرض ضريبة دخل استثنائية على المصارف، ولَو لسنة واحدة، هو أقرب الى فرض «خوّة»، وسيكون له تأثيره السلبي على انخراطها في تمويل المشاريع الاستثمارية بسبب عدم قدرتها على تحمّل أي هامش للخسارة. وبالتالي، كيف يمكن السير بمخطط الحكومة الذي يكمُن في التوَجّه نحو الاقتصاد المنتج لانتشال الاقتصاد والتخلّص من الاقتصاد الريعي؟

 

بعد التحذير الذي أطلقته «موديز» أمس من ان تقوّض خطة الحكومة الاقتصادية الثقة بالدولة من خلال الضغط الذي تفرضه على المصارف، وتخوّفها من أن يكون لزيادة الضرائب على القطاع المالي أثر ائتماني سيئ، هل ستكون المصارف قادرة على السير برزمة المقررات التي طالتها في الورقة الاصلاحية، والتي نصّت على فرض ضريبة دخل استثنائية على المصارف لسنة واحدة في العام 2020 لتأمين مبلغ 600 مليار ليرة، الى جانب مساهمة مصرف لبنان بالتنسيق مع المصارف بخفض خدمة الدين العام لسنة 2020 بنسبة 50 في المئة بقيمة 4500 مليار ليرة؟!

 

في هذا الاطار، قال الخبير المالي غسان عياش لـ«الجمهورية»: من الواضح أنّ الحكومة اللبنانية حَمّلت الجهاز المصرفي، أي مصرف لبنان والمصارف، نسبة كبيرة من الإيرادات في موازنة سنة 2020 بعدما عجزت عن فرض زيادات ضريبية بسبب حركة الاعتراض الواسعة التي تمثّلت بالتظاهرات الشعبية التي انتشرت في كل أرجاء البلاد. ففرضَت 600 مليار ليرة كضرائب استثنائية إضافية على المصارف، و4500 مليار ليرة يؤمّنها مصرف لبنان والمصارف.

 

بالنسبة للإيرادات التي سيتكفّل بها مصرف لبنان، فإنه سيؤمّنها بواحدة من 3 طرق، لكلّ منها سلبياتها:

 

الطريقة الأولى غير المحتملة، هي أن يُقرض الدولة أموالاً يقترضها بدوره من المصارف. هذه الطريقة ستلحق خسائر بالمصرف المركزي لأنه يدفع فوائد عالية للمصارف، ويفترض أن يُسلّف الدولة على الأرجح من دون فائدة. وهنا، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ مصرف لبنان يتحمّل منذ سنوات طويلة خسائر فادحة نيابة عن الدولة، بما يُضعف ميزانيته الخاصّة.

 

الطريقة الثانية، المرجّحة، هي خلق النقد. ومن المعروف أنّه أكبر مصدر للتضخّم، بما يعني أنّ المجتمع اللبناني هو بالنتيجة من سيتحمّل عبء هذا التمويل عن طريق ضعف القوّة الشرائية لليرة اللبنانية وارتفاع الأسعار. وتجدر الإشارة إلى أنّ مصرف لبنان أقرَضَ المصارف، في إطار ما يسمّيه الهندسات المالية، أكثر من 22 ألف مليار ليرة بفوائد متدنّية لتشجيعها على مَدّه بالعملات الأجنبية. وسيكون تمويل الدولة سنة 2020 بمبلغ 4500 مليار ليرة زيادة إضافية في الكتلة النقدية، بما يعني ارتفاعاً في معدّل التضخم، ولو كان مؤجّلاً.

 

الطريقة الثالثة هي تحويل قسم من الحساب الدفتري لإعادة تقويم الذهب إلى الخزينة، وهي عبارة عن أرباح وهمية ناجمة عن الفرق بين سعر شراء الذهب المَملوك من مصرف لبنان وبين سعره الحالي الفعلي في السوق. هذه الطريقة، التي تخالِف القواعد المحاسبية الصحيحة المعتمدة في العالم، هي بدورها مصدر للتضخّم.

 

إنّ هذه الطرق المُضرّة اقتصادياً واجتماعياً تساعد الدولة على الهروب من زيادة الضرائب منعاً للاصطدام بالرأي العام، الذي يعيش حالياً نوعاً من الثورة ضد النظام السياسي وما تَسبّب به من مشاكل اقتصادية خانقة طالَت اللبنانيين. لكنّ مشكلة الدولة فعلياً مع اللبنانيين هي في باب النفقات، وليس في الإيرادات ضمن الموازنة.

 

فالرأي العام يرفض الزيادات الضريبية لأنه يشعر عن حق بأنّ النفقات العامة فيها الكثير من المصاريف غير الضرورية، ناهيك عن الهدر والبذخ والسرقة. وفي إطار إصلاح مالي حقيقي، لن تكون ردّة فعل اللبنانيين على الزيادات الضريبية كما هي ردّة فعلهم اليوم.

 

ضاهر

بالنسبة الى بند فرض ضريبة دخل استثنائية على المصارف لسنة واحدة في العام 2020 بما يؤمّن مبلغ 600 مليار ليرة لبنانية، إعتبر رئيس الجمعية اللبنانية لحقوق المكلفين كريم ضاهر انه لا يجوز فرض ضريبة على رأس المال، إنما الرسم هو ما يفرض عادة على رأس المال.

 

وأوضَح لـ«الجمهورية» انّ فرض ضريبة على رأس المال يتمّ عندما يكون هناك صعوبة في تحديد الربح، إذ انه عند احتساب الربح الصافي يكون هناك نسبة يحدّد من خلالها هذا الربح الذي ستُطَبّق عليه الضريبة. على سبيل المثال، انّ ضريبة غير المقيمين، أي الشركات التي تتعامل مع لبنان وليس لديها مكان إقامة في ربوعه، تَقتطِع منها الدولة ضريبة من دون أن تعرف حجم أرباحها، لأنّ الدولة لا تعرف قيمة أعبائها. عندها، يتم اقتطاع نسبة من رأس المال المُصَرّح عنه.

 

أمّا في حالة المصارف، وبما انّ أرباحها معروفة، فإنه سيتم تطبيق نسبة ضريبة وليس نسبة لتحديد أرباحها، إذ يمكن للمصرف ان يكون خاسراً. لذا، فإنهم يطبّقون الضريبة. وهذه الحالة مشابهة للرسم المقطوع الذي يفرض ضريبة على الارباح، وليس على الخسارة.

 

وشرحَ ضاهر الفارق ما بين الرسم والضريبة، فالرسم يُفرض مقابل خدمة او سلعة ولا يرتكز الى الربح، على عكس مبدأ الضريبة الذي يقوم على تحقيق الربح.

 

وعمّا اذا كان يحق للسلطة ان تفرض ضريبة استثنائية على المصارف؟ قال: «ليس من المنطقي فرض أي ضريبة على رأس المال، إنما يمكن فرضها لسبب معيّن، انطلاقاً من مبدأ عدالة الضرائب، لاسيما في بعض النشاطات التي يمكن رفع نسبة الضريبة عليها. على سبيل المثال، كان يمكن إضافة نسبة الضريبة على أرباح الشركات من 17 الى 25 في المئة كما كان مطروحاً، لكنّ الحكومة لم تنفّذها لأنّ الهدف كان التأكّد من توفير مبلغ معيّن، وتجنباً لأيّ احتيال قد تلجأ اليه المؤسسات قد يؤدي الى تهرّبها من دفع هذه الضريبة، من خلال تكبير حجم أعبائها وإنفاقها. وإنّ لجوء الحكومة الى هذا التدبير ما هو الّا للاطمئنان والتأكيد على حصولها على مبلغ 600 مليار ليرة، انطلاقاً من مبدأ أنّ الضريبة تفرض على الارباح ولا يمكن فرضها على الشركات في حالة الخسارة».

 

ورداً على سؤال، أوضح ضاهر انّ المصارف تؤمّن اليوم حوالى 62 في المئة من الواردات الضريبية المُتأتية من ضريبة الدخل على الشركات. أمّا السؤال المطروح اليوم: مع زيادة الضرائب على المصارف والطلب منها المساهمة في خفض عجز الموازنة من خلال خفض خدمة الدين العام بـ 4500 مليار ليرة (بالتعاون مع مصرف لبنان)، هل ستتراجع ربحية المصارف بالمطلق؟ وبالتالي، هل انّ ما أخذته الدولة بيَد سوف تخسره باليد الأخرى؟

 

تابع: انّ المصارف توافق على تمويل الدولة من خلال اعتمادها على اقتصاد ريعي، وهي تستعيض عن تمويل الاقتصاد المنتج بتمويل الدولة، وهذه الضرائب الاستثنانية المفروضة عليها، الى جانب مساهمتها في خفض خدمة الدين العام، ستُفرمل تَوجّه المصارف الى تمويل المشاريع الاستثمارية خوفاً من الخسارة.