IMLebanon

نظرة إقتصادية إلى ملف النفايات: كارثة وطنية

 

225 يوما مرّت على تراكم النفايات في الشوارع والطرقات وعلى ضفاف الأنهر والغابات. هذا الوضع الكارثي للنفايات والذي بدأت انعكاساته المالية بالظهور سيحتل المرتبة الأولى في إهتمامات الحكومة نظراً لتداعياته الكارثية على الصحة والبيئة وحتى الماكينة الإقتصادية.

إحتل لبنان الواجهة على الشاشات العالمية (CNN) مع المشهد المُرعب لنهر من النفايات حيث تحولت الطريق إلى مكب «حضاري!» للنفايات. وقد تمت تعبئة النفايات في أكياس بيضاء تملأ الطريق في مشهد أقل ما يُقال فيه انه مُرعب.

ملف فاسد يُضاف على سجل الفشل السياسي في تغليب المصلحة العامة على المصلحة الشخصية مع تقاعس القضاء بالتحرك من أجل تحديد المسؤوليات ومحاسبة المسؤولين عن هذه الكارثة. هذا الكلام ليس بكلام شعر أو تهجمّ بل يعكس الواقع الآليم لملف له تداعيات كارثية على الصحة العامة وعلى الإقتصاد.

الطبقة الجوفية مُهدّدة

من المعروف عن لبنان أنه غني بثروته المائية الناتجة عن ألاف الينابيع الجوفية. هذه الينابيع كانت ولعقود المصدر الأساسي لمياه الشفة في لبنان كما والريّ الزراعي وكل ذلك في غياب السدود. بالطبع غياب السدود دفع لبنان منذ عامين إلى بحث إمكانية إستيراد المياه من تركيا مع تراجع المُتساقطات وغياب الإدارة الرشيدة لقطاع المياه.

وبالتالي، فإن مياه الشرب والإستخدام المنزلي والزراعة تأتي في معظمها من هذه الينابيع والتي من المفروض على وزارة الطاقة والمياه أن تكون لديها خارطة دقيقة عن مواقعها وحالتها. إلا أن أزمة النفايات والمكبات العشوائية التي بدأت بإعتمادها البلديات تدفع إلى الإعتقاد بأن النفايات التي عاشت الصيف تحت شمسٍ حارقة وتعيش في ظل شتاء غني بالمتساقطات، لوثت الينابيع المائية وبالتالي فإن كل نقطة مياه يستخدمها المواطن هي مياه مشكوك في أمرها.

وقد يقول البعض أن هذا الحديث غير دقيق من ناحية أن النفايات لا تتواجد على إرتفاعات كافية لتلوث هذه الينابيع، لكن هذا الكلام يبقى في ظل التكهنات في غياب خارطة تُظهر أماكن الينابيع والمكبات العشوائية التي إستحدثتها البلديات والمواطنون (هذا الأمر من مسؤولية وزارتي الطاقة والبيئة).

المنتوجات الزراعية… مُلوثة؟

من يعمل في الزراعة يعرف أن المزارعين يستخدمون سواد البعير كمواد لتحفيز نمو الزراعات. وبالتالي فإن إمكانية الحديث عن ريّ الزراعات بمياه مُلوثة من النفايات لا يدعو إلى القلق من ناحية أن سواد البعير يُستخدم في الزراعة. إلا أن المُشكلة تكمن في أن هناك فرقا كبيرا بين سواد البعير الذي يُعتبر طبيعيا وبين النفايات التي تحوي على مواد كيميائية لا نعرف تداعياتها على المزروعات والمنتوجات الزراعية.

من هذا المُنطلق يحق لنا التساؤل عن دور وزارة الزراعة ووزارة البيئة في ادراك تداعيات هذا الأمر الذي يطال بالدرجة الأولى صحة المواطن اللبناني. فهل هناك من خارطة تُظهر الأراضي المزروعة ومصادر المياه التي يتم إستخدامها في الريّ والمكبات العشوائية المُستحدثة؟

الهواء… مُلوث

لا تنفك البلديات العاجزة عن إدارة مُشكلة النفايات والتي وجدت نفسها أمام الأمر الواقع مع عجز السلطة المركزية، في حرق النفايات الواقعة في محيطها مُسببة بذلك روائح كريهة وغازات سامة ومُسرطنة. والمعروف أن تلوث الهواء هو أوسع إنتشار من باقي التلوثات بحكم أن الرياح كفيلة بنقل التلوث إلى أماكن بعيدة.

وبالتالي فإن أي شخص يعيش على مسافة 5 كيلومترات (من دون حاجز طبيعي مثل جبل) من نفايات تُحرق، يتعرض للتلوث على غرار من يعيش قرب المكب. وهذا الأمر ستظهر تداعياته الصحية السلبية في الأعوام القادمة على شكل أمراض سرطانية خصوصاً لدى الأطفال وكبار السن على شكل أمراض تنفسية.

ثمن الأزمة

على الرغم من الأموال الطائلة التي تمّ دفعها خلال السنين الماضية على قطاع النفايات (مليارات الدولارات)، تبين أن نتيجة المعالجة كانت كارثية وأن الخطة الطارئة التي تمّ وضعها في أواخر تسعينات القرن الماضي أصبحت هي القاعدة. قاعدة تُكلف خزينة الدولة 250 مليون دولار سنوياً كانت لتكون كافية لإنشاء أهم مراكز معالجة النفايات وحتى الأغلاها ثمناً (محارق بتقنية البلازما).

لكن القدر الذي شاء ذلك لم يتوقف عند هذا الحد، بل أن التراكمات من 17 تموز الماضي وحتى يومنا هذا (في حدود 900 ألف طن من النفايات) ستُشكل عبئاً مالياً ضخماً يُقدر بأكثر من ملياري دولار ككلفة مباشرة نتيجة معالجة النفايات المتراكمة والنفايات التي ستنتج حتى وقت المعالجة.

أما الكلفة غير المباشرة فستكون أكبر بكثير مع التداعيات الصحية والبيئية للنفايات وهذا الأمر يبقى رهن مصداقية الحكومة في عمل دراسة دقيقة للنفايات تسمح بتحمّل التكاليف الصحية للمصابين بأمراض سببها النفايات كما وتسمح بمحو التلوث البيئي الناتج عنها.

الإقتصاد يتحمّل الخسائر

لكن المالية ليست الوحيدة التي تتحمل التداعيات السلبية، فالإقتصاد اللبناني سيتحمل هذه التداعيات ومثال على ذلك القطاع السياحي الذي فاز بدعاية على شاشة الـ CNN والتي وخلال دقائق وعلى مرّ يومين من نشراتها الإخبارية بثت فيديو النفايات على شكل نهر! نعم القطاع السياحي اللبناني لم تكفه تداعيات الأزمة السورية والنزوح السوري، لذا أتت دعاية للنفايات في الطرقات لتزيد خسائره.

أيضاً يُمكن إعطاء مثال الدعاية السلبية للمنتوجات اللبنانية والتي قد يتراجع تصديرها نتيجة تخوف الدول الأجنبية من تلوثها. وهذا يعني أن الصادرات اللبنانية التي من المتوقع أن تنخفض نتيجة المخاوف من عقوبات سعودية على لبنان، ستخسر أيضاً في الأسواق الأخرى نتيجة هذه الدعاية.

أيضاً وإقتصادياً لا نعرف تأثير تواجد مليون طن من النفايات في الشوارع بين الناس على عمر الأشخاص. ما يعني أنه وفي حال وجود علاقة بين وجود هذه النفايات وقصر عمر الأشخاص، فإن الإقتصاد اللبناني سيتحمل خسارة تُقدّر بعدد سنين الشخص التي كان من المفروض أن يعيشها مضروبة بمدخوله السنوي الأخير.

واقع أليم

مما سبق، نرى أن المواطن اللبناني وبحكم أنه لا يلمس التداعيات بشكل مباشر، يلعب دور النعامة التي تضع رأسها في الرمل وتظن أن لا أحد يراها. نعم هكذا يتصرف المواطن اللبناني تجاه النفايات والأصعب أنه يُتابع حياته اليومية كأن شيئاً لم يكن. من هذا المُنطلق نرى أنه من الضروري على كل مواطن لبنان أن يُمارس الضغط على الحكومة للتسريع في حل هذا الملف الذي ستفوق تداعياته ما يُمكن لأنسان عادي أن يتخيله.