IMLebanon

فُرصة التغييريين المقبلة: نصاب جلسة الرئاسة

 

بعد إخفاقات، قد تكون مفهومة، للنواب التغييريين في معاركهم التصويتية في المجلس النيابي كانت آخرها تسمية رئيس الحكومة المكلف التي خسرها هؤلاء سواء بتصويت معظمهم للسفير نواف سلام أو بعضهم عبر عدم التسمية، قد يكون من الضروري إجراء هؤلاء لمراجعة للخيارات استناداً إلى طبيعة الوكالة التي أعطيت لهم من قبل شرائح 17 تشرين.

 

شاب أداء النواب التغييريين التسرع في الإصطفاف السياسي بين المشتبكين على الحصص النيابية، وذلك منذ اللحظات الأولى لهؤلاء النواب في الندوة النيابية. وكأن المطلوب هو قلب دفة الميزان في معارك الأعداد في المجلس وليس تسجيل الموقف الطبيعي المعبر عن شرائح انتفاضة 17 تشرين.

 

أكثر من ذلك، ليست صدفة أن يتمحور معظم هؤلاء في اصطفاف سياسي أقرب الى ما كان يعرف بتيار 14 آذار، وقد تبين هذا الأمر جلياً في معاركهم حول نيابة رئاسة المجلس النيابي وهيئة المكتب، وتمثل في شكل واضح في تسمية سلام لرئاسة الحكومة.

 

قد يكون الموقف الأكثر تعبيراً عن نبض 17 تشرين ذلك الذي عبّر عنه النواب الثلاثة من بين الـ 13 تغييرياً، الذين اختاروا، وقد يكون ذلك لأسباب معينة، عدم تسمية أحد لرئاسة الحكومة مجسدين عنوان 17 تشرين بـ”كلن يعني كلن”.

 

كان مفهوماً ربما للنواب التغييريين الـ 13، أن يرشحوا أحدهم لهذا المنصب وبينهم العديد من الشخصيات السنية، وبذلك يتم خوض المعركة بوضوح من دون الخجل منها، ذلك أن هذه المعارك ستُخاض حكماً بعد تمرس هؤلاء في العمل السياسي واكتسابهم للخبرة اللازمة لمقارعة أقطاب السلطة السياسية المعمرين في المعارك التحاصصية منذ زمن طويل.

 

كان يمكن لهؤلاء النواب اكتساب صفة الإلتزام بموقفهم عند نزولهم الى الشارع منذ الايام الاولى للانتفاضة، وبعضهم قبلها خلال انتفاضة النفايات في صيف العام 2015. إذ ليس مهما الفوز هنا بمقدار تسجيل الموقف بعد ما ثبت من محاصرة الطبقة السياسية لهم في كل استحقاق ما أدى إلى خسارتهم جراء تكتل الآخرين ضدهم.

 

وإلى جانب النواب التغييريين الثلاثة الذين اختاروا عدم تسمية أحد لرئاسة الحكومة، يمكن تصنيف النواب المستقلين الذين اتخذوا هذا الخيار كمعبرين عن نبض 17 تشرين، خاصة أولئك الذين التزموا الصدق مع أنفسهم في كل استحقاق تصويتي منذ الجلسة الاولى للمجلس الجديد.

 

لكن الأوان لم يفت، ويمكن للتغييريين مقاربة موقف مغاير في استحقاق مقبل بالغ الأهمية، يتمثل في انتخابات رئاسة الجمهورية.

 

وإذا كان الفراغ الرئاسي هو المقدر اليوم، ومعه الفراغ الحكومي مع صعوبة تشكيل الرئيس نجيب ميقاتي لحكومته المقبلة، يمكن للمعركة المقبلة للتغييريين أن تتمثل في مهمة قد تكون أقل صعوبة من مهامهم السابقة: منع نصاب جلسة الرئاسة في حال تم الاتفاق على مرشح تقليدي واستقطابي للرئاسة من النادي السياسي المعروف.

 

فجلسة الرئاسة تتطلب نصاباً “مُضمراً”، حسب خبراء دستوريين عديدين، من ثلثي عدد أعضاء المجلس، وباستنكاف 43 نائبا عن الحضور، ومنهم النواب التغييريين ومعهم المستقلين ومع صياغة تحالفات “على القطعة”، يمكن لمن هم خارج الاصطفاف السياسي التقليدي منع أي مرشح تقليدي من الوصول الى الرئاسة عبر تعطيل هذا النصاب وفرض تفاهمات ما مع الوقت.

 

فقد جاء في المادة 49 من الدستور اللبناني أن رئيس الجمهورية يُنتخب بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويكتفي بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي

 

. ما يعني أن نصاب الثلثين مطلوب أولاً.

 

وفي الموازاة حددت المادة 73 من الدستور آلية دعوة المجلس النيابي لانتخاب رئيس الجمهورية، إذ أنه قبل انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر على الأقل وشهرين على الأكثر، يلتئم المجلس بناء على دعوة رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد . وإذا لم يدع المجلس لهذا الغرض فإنه يجتمع حكماً في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس.

 

ويجب التذكير بأن ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون تنتهي في 31 تشرين الأول المقبل، وبالتالي فإن مجلس النواب يستطيع أن يبدأ بانتخاب رئيس جمهورية جديد إعتبارا من الأول من شهر أيلول المقبل. طبعا إلا اذا قرر المجلس النيابي تعديل الدستور وهو أمر شبه مستحيل اليوم.

 

وفي حال لم يُوفق مجلس النواب في انتخاب الرئيس في الأيام العشرة الأخيرة قبل 31 تشرين الأول،عندها يصبح في حالة انعقاد حكمي لانتخاب رئيس كما ذُكر آنفاً.

 

صحيح أن الدستور لم يوضع للتعطيل، لكن يمكن أن يُستعمل للتصحيح أيضاً، والمرحلة تتطلب رئيساً وسطياً خارج الإستقطاب التقليدي، يمكنه تمرير المرحلة مع الخارج.

 

لذا فالأمر لن يكون على غرار معارك صعبة سابقة نتيجة اصطفاف الكتل السياسية، فالثلث اليوم يشكل فرصةً ليست صعبة صياغتها منذ هذه اللحظة، تُبعد عن التغييريين كأس مرارة الإخفاقات السابقة.

 

طبعا ذلك لا يعني أن معارك التغييريين، داخل وخارج المجلس النيابي، لم تُسجل نقاطاً مضيئة، ولعلّ أهمها تلك المختصة بالحدود البحرية وإطلاقهم صرخة تعديل المرسوم 6433 الحافظ لحقوق لبنان في هذا الخصوص، وغيرها من المعارك الكلامية في المجلس النيابي التي بات معها واضحاً أن الطبقة السياسية ستواجه مشاكسة كبيرة في الندوة النيابية ولن تكون رحلتها نزهة كما في السنوات الماضية.

 

في كل الأحوال سيكون الوقت كفيلاً لكي يتمرّس التغييريون في العمل السياسي التنفيذي بعيداً عن نضال الشارع المختلف كثيراً عنه في السلطة التشريعية، ويمكن للنضالين معاً أن يتوازيا وربما لن يتمكن أحد من كبح جماح الشارع في حال تفاقمت الكارثة الإقتصادية والإجتماعية الحالية التي تتغذى دوماً من الفراغ واللاإستقرار السياسي.