IMLebanon

بين حدود الخارج واستعصاء الداخل

 

 

لا تخرج الدعوة التي وجّهها رئيس البرلمان نبيه بري إلى جلسة انتخاب رئيس الجمهورية غداً عن نطاق القيام بواجبه بتوجيهها خصوصاً أنّه ما زال يردد التحذير تلو الآخر بأنّ البلد لا يحتمل استمرار الفراغ الرئاسي لأسابيع وليس لأشهر.

 

في رأي مراقبين أنّ تحديده مواعيد لجلسات الانتخاب، حسب العارفين بحقيقة تقييمه لحالة الانسداد السياسي الذي يحول دون إخراج الاستحقاق الرئاسي من عنق الزجاجة، يعود إلى تجنّبه أن يقال إنّه يمتنع عن دعوة البرلمان إلى القيام بما يوجبه الدستور عليه وعلى سائر الكتل النيابية، لعل محاولات بعض النواب لتحريك الجمود الحاصل بتواصلهم مع بعض الكتل النيابية تؤدي إلى نتيجة، طالما أنّ دعوته إلى الحوار بين الكتل النيابية للتوافق على إنهاء الشغور في الرئاسة، لم تلقَ التجاوب من كتل رئيسة منها الكتلتان المسيحيتان الكبريان، حزب «القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحر».

 

في مقابل الحركة الداخلية المتعلقة بالاستحقاق، التي ما زالت دون القدرة على صياغة توافق على الرئاسة، لا يبدو أنّ هناك تعويلاً من معظم الأوساط على الحركة الخارجية. ولربما هذا ما يدفع بعض النواب والكتل إلى بذل المحاولات في الداخل، ليس فقط لأنّ الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله دعا إلى عدم انتظار الخارج واستحقاقات من نوع الاتفاق على النووي الإيراني فقط، بل لأنّ لقدرة الخارج على التأثير في تعديل بعض المواقف الداخلية حدود، لا سيما في ظل تصاعد الصراع الأميركي- الإيراني وانضمام الدول الأوروبية الرئيسة إلى التشدد الأميركي حيال طهران، وبقاء المحادثات السعودية – الإيرانية في حال المراوحة بل الجمود، بحيث يستحيل أن تنعكس الجهود الخارجية إيجاباً على القوى المحلية. فالقوى السياسية الرئيسة تفهم إقفال نصر الله الباب على أي تدخلات مع طهران كي تمارس نفوذها، من أجل أن يعدّل موقفه من تعطيل جلسات الانتخاب بإفقاده مع حلفائه النصاب، في كل مرة ينتقل النواب إلى الدورة الثانية من الاقتراع، على أنّه تسليم إيراني بإدارة «الحزب» لهذا الملف الداخلي، كما جرت العادة في حالات التأزم الإقليمي السابقة. بذلك تتفادى طهران المزيد من الضغوط ومطالبتها بالتنازلات.

 

في انتظار اتضاح ما يمكن لاجتماع باريس الذي لم يكن قد تحدد موعده النهائي بالأمس، ولا إذا كان سيكون رباعياً تنضم قطر إليه، أم سيكون ثلاثياً يضم مستشارين في وزارات خارجية فرنسا والسعودية وأميركا، يغلب التشكيك لدى الأوساط اللبنانية في أن يتمكن هذا الإطار الدولي الإقليمي من إحداث اختراق جديد في مأزق الشغور. وفي كل الأحوال، فإنّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون استبق الاجتماع الشهر الماضي بوضع حدود للتوقعات من ورائه، بقوله إن ما يهمه هو وضع استراتيجية وآلية سياسية لحل مشاكل الناس، في سياق استبعاده الدخول في لعبة أسماء المرشحين لأن فرنسا حاولت في السابق وفشلت مرة واثنتين.

 

الخارج كما الداخل يتصرّفان على أساس محاولة معالجة تداعيات الفراغ على اللبنانيين، ما يعني تسليم الدول المعنية ضمناً باستعصاء الحلول الدستورية للخلافات حول هوية الرئيس الجديد ومهمة الإنقاذ التي سيتولاها. وهو استعصاء يبقي على السفينة اللبنانية هائمة على وجهها من دون قبطان يقودها، تكتفي بإرسال طلب النجدة كي لا تغرق، في انتظار معرفة على أي شاطئ سترسو، وكيف ولأي هدف، وسط ارتفاع الأمواج التي تتلاطمها. فالدول التي يمكنها إنقاذ البلد تكتفي بتمرير بعض المؤونة لها من أجل بقاء من فيها على قيد الحياة. وهو ما يرمز إليه مبدأ «المساعدات الإنسانية» التي تكتفي بها الدول المعنية إلى أن تعرف وجهة إبحارها، قبل أن تساهم في قطرها أو أن تعينها على بلوغ الشاطئ البعيد الذي تقصده. وهذا ما يرمز إليه إصرار المجتمع الدولي على شروطه الإتيان برئيس قادر على تطبيق الإصلاحات من دون مواربة أو مناورات، ويستطيع مخاطبة دول العالم وخصوصا دول الخليج، إضافة إلى الفرقاء المحليين، وغير فاسد أو منغمس بتنفيذ أجندة النفوذ الخارجي، ولا سيما الإيراني. فهذه الدول التي تعاني من «الجحود» اللبناني، هي التي ينتظر أن تشكل القاطرة الرئيسة لإنهاض الاقتصاد.

 

قد تحمل الجلسة النيابية الحادية عشرة جديداً يتعلق بانتقال المزيد من نواب «التيار الحر» من خيار الورقة البضاء إلى التصويت لمرشح ما، إلا أن الأمر لن يغير في واقع الحال، لأن لا «التيار» ولا «حزب الله» يتصرّفان على أنّ الأمور باتت ناضجة لانتخاب رئيس، وبالتالي تبقى الاتصالات الجارية في إطار المناورات.